للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: فزيد بن أرقم قد خالف عائشة ومن ذكرتم، فغاية الأمر أنها مسألة ذات قولين للصحابة، وهي مما يسوغ فيها الاجتهاد، فالجواب: أن زيدا لم يقل قط أن هذا حلال ولا أفتى بها يوما، ومذهب الرجل لا يؤخذ من فعله، إذ لعله فعله ناسيا أو ذاهلا أو متأولا أو ذنبا يستغفر الله منه ويتوب أو يصر عليه وله حسنات تقاومه.

وإذا كان الفعل محتملا لهذه الوجوه وغيرها لم يجز أن ينسب لأجله اعتقاد حل هذا إلى زيد بن أرقم رضي الله عنه، لاسيما وأم ولده إنما دخلت على عائشة تستفتيها، وقد رجعت عن هذا العقد إلى رأس مالها كما تقدم، فعلما أنهما لم يكونا على بصيرة منه، وقول السائلة لعائشة: أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي ثم تلاوة عائشة عليها {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (البقرة: من الآية٢٧٥) دليل بين على أن التغليظ إنما جاء لأجل جهالة الأجل كما قيل، فإن هذه الآية إنما هي في التأنيب على الربا، وفي هذا دليل على بطلان العقد الأول إذا قصد به التوسل إلى الثاني وهذا هو الصحيح من مذهبنا وغيره، وأيضا فبيع العينة إنما يقع غالبا من مضطر إليها وإلا فالمستغني عنها لا يشغل ذمته بألف وخمسمائة في مقابل ألف بلا ضرورة وحاجة تدعو إلى ذلك، وقد روى أبو داود عن صالح بن رستم عن شيخ من بني تميم قال: خطبنا علي أو قال قال علي رضي الله عنه "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر، وعن بيع الغرر، وعن بيع الثمرة قبل أن تدرك "، ورواه الإمام أحمد وسعيد بن منصور مبسوطا قال: "قال علي سيأتي على الناس زمان عضوض يعض الموسر على ما في يديه ولم يؤثر بذلك، قال الله تعالى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (البقرة: من الآية٢٣٧) وينهد الأشرار ويستذل الأخيار، ويبايع المضطرين، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الضطر، وعن بيع الغرر، وبيع الثمرة قبل أن تطعم ".