للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يَقْبل الشّفاعة لأَجْل إِرْضاء الشَّافِعِ فيما يُخالِف الحَقّ والعَدْل، ويُنَافي المصْلَحة العَامة. ومَا الذِّئابُ الضَّارِية بأَفتك في الغَنَم مِن فَتْكِ الشَّفاعات في إِفساد الحُكومَات، والدُّول.

فإنَّ الحُكومة الَّتِي تُرَوَّجُ فِيها الشَّفاعات يَعْتَمد التَّابِعون لَها على الشَّفاعَة في كُل ما يَطْلبون منها - لا على الحَقِّ والعَدْلِ - فَتَضيعُ فيها الحُقوق، ويَحِلُّ الظُّلْم مَحِل العَدل. ويَسْري ذَلك من الدَّولَة إلى الأُمَّة فيكونُ الفَسَاد عامًا، ويَعْتَقِد الجماهيرُ أَنَّه لا سَبيلَ إلى قَضَاء مَصْلَحة في الحُكومَة إلاَّ بالشَّفَاعَةِ أَو الرَّشْوَةِ (١) . ا.هـ.

وقال الزَّمَخْشَري: الشَّفَاعَةُ الحَسَنَةُ هي الَّتِي رُوعي بِها حَق مُسْلِم ودُفِعَ بِها عَنْه شَرٌّ، أَو جُلِبَ إِليه خير.

وابْتَغى بها وَجْه الله، ولم تُؤْخَذ عَليها رَشْوة. وكانت في أَمْرٍ جائزٍ، لا في حَدٍّ مِن حُدود الله ولا في حَقٍّ من الحقُوق.

والسيئة بخلاف ذلك (٢) .

وجَاء في الحَديث قَولُه صلى الله عليه وسلم: " مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ. وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ.

وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ (٣) حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ " (٤) .


(١) تفسير المنار (٥/٣٠٩) .
(٢) الكشاف (١/٥٤٣) .
(٣) عصارة أهل النار. والرّدْغَة: بسكون الدال وفتحها: طين وَوَحل كثير (النهاية: ٢/٢١٥) .
(٤) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأقضية، باب فيمن يُعين على خصومةٍ عن عبد الله بن عمر. صحَّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود (٢/٦٨٦) .