للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول: "فقد أوجبت- يعني: السنة - أيضا أن نزول القضاء بالإيجاب والتحريم سبب عظيم في نفسه مع قطع النظر عن تلك المصالح لإثابة المطيع وعقاب العاصي، وأنه ليس الأمر على ما ظن من أن حسن الأعمال وقبحها بمعنى استحقاق العامل الثواب والعذاب عقليان من كل وجه، وأن الشرع وظيفته الإخبار عن خواص الأعمال على ما هي عليه دون إنشاء الإيجاب والتحريم بمنزلة طبيب يصف خواص الأدوية وأنواع المرض، فإنه ظن فاسد تمجه السنة بادي الرأي ... كيف ولو كان ذلك لجاز إفطار المقيم الذي يتعانى كتعاني المسافر – يعني: يتجشم المشقة كمشقة المسافر - لمكان الحرج المبني عليه الرخص، ولم يجز إفطار المسافر المترفه - المستريح المتنعم - وكذلك سائر الحدود التي حددها الشارع، وأوجبت - يعني السنة - أنه لا يحل أن يتوقف في امتثال أحكام الشرع - إذا صحت بها الرواية - على معرفة تلك المصالح لعدم استقلال عقول كثير من الناس على معرفة كثير من المصالح، ولكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أوثق عندنا من عقولنا ... ".

هذا هو الحق الذي لا شك فيه عند أهل السنة: أن الحكم الشرعي لا ينبني على مجرد المصلحة والحكمة، وأن العلل الشرعية ليست موجبة بذواتها، بل الله جعلها- بمشيئته- موجبة للأحكام تفضلا منه وإحسانا، وأنه سبحانه لا يجب عليه شيء - وليس لأحد أن يوجب عليه سبحانه شيئا - بل هو الموجب بما شاء على من شاء، وأن أحكامه - سبحانه وتعالى - لا تخلو من مراعاة المصلحة – غالبا - لأنه تعالى حكيم - والحكيم لا يفعل إلا لمصلحة - كما تقدم.