للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا هو مسلك القرآن والسنة، والنصوص الدالة على ذلك من الكثرة بحيث يتعذر إحصاؤها، وقد تقدم قول ابن القيم - رحمه الله: "والقرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مملوآن من تعليل الأحكام بالحكم والمصالح وتعليل الخلق بهما والتنبيه على وجوه الحكم التي لأجلها شرع تلك الأحكام ... ولو كان هذا في القرآن والسنة نحو مائة موضع أو مائتين لسقناها ولكن يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة ... ".

وقد علل الصحابة بفطرتهم السليمة، وبتلقائية لا تكلف فيها، وبنوا اجتهاداتهم على ما فهموه من العلل والمصالح، ثم صار على دربهم التابعون ومن جاء بعدهم من العلماء المجتهدين يعللون الأحكام بالمصالح ويفهمون معانيها ويخرجون للحكم المنصوص مناطا مناسبا لدفع ضر أو جلب نفع كما هو مبسوط في كتبهم ومؤلفاتهم ثم أتى الغزالي والخطابي وابن عبد السلام وابن القيم وأمثالهم - شكر الله مساعيهم - بنكت لطيفة وتحقيقات شريفة ومعانٍ بديعة.

بعد هذا يمكن أن نقول ونقرر باطمئنان: أن أحكام الله سبحانه وتعالى مبنية على تحقيق مصالح العباد، وأن هذه المصالح يجوز التساؤل عنها، كما يجوز البحث عنها بكل ما أوتينا من وسائل العلم والمعرفة والبحث، وقد أمرنا الله بالنظر والتفكر والتدبر، سواء في دينه وشريعته أو في خلقه وكونه، فقال سبحانه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} (١) وقال: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (٢) وقال جل وعلا عن عباده الذين وصفهم بـ {أُولِي الأَلْبَابِ} أنهم: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (٣) .


(١) سورة النساء آية: ٨٢.
(٢) سورة يونس آية: ١٠١.
(٣) سورة آل عمران آية: ١٩١.