للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا بد من التساؤل والبحث - ما أمكن - عن هذه المصالح التي تنطوي عليها الأحكام الشرعية لنفهمها ولنطبقها في ضوء مصالحها ولنهتدي بمعرفة تلك المصالح فيما لم ينص عليه، يقول العلامة ابن عاشور: "وجملة القول: أن لنا اليقين بأن أحكام الشريعة كلها مشتملة على مقاصد، وهي حكم ومصالح ومنافع، ولذلك كان الواجب على علمائنا تعرف علل التشريع ومقاصده ظاهرها وخفيها".

كيف تقدر المصالح؟

إذا تقرر هذا فليعلم أن تقدير المصالح والمفاسد إنما يكون بالشرع لا بالهوى كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد رأيه ..." فالمرحلة الأولى أن ننظر: هل المصالح والمفاسد التي نحن بصددها ورد بالموازنة بينها نص في الشريعة أم لا؟ فحيث ورد النص باعتبار مصلحة ما أو بإلغائها وجب اتباعه، فمن سأل هل يبقى مع والديه لبرهما وخدمتهما أم يخرج متطوعاً للجهاد ولو لم يأذنا؟ أي المصلحتين تقدم؟ فهذا وارد تقديره والجواب عنه في نصوص الشرع بما لا يدع مجالا للاجتهاد في رأي، ففي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها" قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين" قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" (١) .

أما إذا أشبهت المسألة ولم يوجد نص صريح يقضي باحتمال مفسدة ما أو تفويت مصلحة، أو تقديم مصلحة على أخرى فهنا يكون الاجتهاد.

النظر إلى المآلات عند تقدير المصالح والمفاسد:


(١) رواه البخاري في المواقيت ٢ / ٩ وأحمد ١ / ١٨١ وغيرهما.