للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"واعلم أن معارضة المصلحة للنص أو القياس لا تكون إلا في جزئيات يَعدّ اعتبارها فيها استثناء من قاعدة النص أو القياس، ولا يُعدّ إلغاء لواحد منهما فإن القواعد الثابتة بالنص أو القياس هي المعالم الواضحة إلى المقاصد الشرعية فإذا تبين في بعض الجزيئات أن العمل بالنص أو القياس لا يحقق المصلحة المقصودة ... وجب استثناء هذه الجزئيات في أضيق الحدود تحقيقاً للمصلحة المشروعة، وبقي النص أو القياس قائماً فيما عداها، كما لو أشرف إنسان أو جماعة على الموت جوعاً، فإنه يجب إطعامهم من مال الغير عنوة مع وجوب دفع المثل أو القيمة عند القدرة، وفي هذا اعتداء على حرمة المال، لكنه استثناء لعارض في مسألة جزئية لا يُبطل القاعدة العامة التي تحرم العدوان على أموال الناس في كل حال" قال تعالى: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (١) وهذا واضح من خلال فتاوى الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين أنهم لم يُراعوا المصلحة على أنها نظام عام يُلغي النص أو القياس، بل روعيت في بعض الجزئيات استثناء من النص أو القياس، ولهذا قال الغزالي في الإفتاء بقتل الزنديق المتستر: "فهذا لو قضينا به فحاصله استعمال مصلحة في تخصيص عموم، وذلك لا ينكره أحد" وقال الطوفي في معارضة المصلحة لدليل شرعي: "وإن خالفها دليل شرعي وُفق بينها وبينه بما ذكرنا من تخصيصه بها ... ".

وقال الشاطبي نقلاً عن ابن العربي: "فالعموم إذا استمر، والقياس إذا اطرد، فإن مالكاً وأبا حنيفة يريان تخصيص العموم بأي دليل كان من ظاهر أو معنى، ويستحسن مالك أن يُخص بالمصلحة ... ".


(١) سورة البقرة آية: ١٨٨.