للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} فإذا تابوا إلى الله سبحانه، وبادروا إلى الأعمال الصالحات والأخذ بالأسباب الشرعية والحسية وأعدوا لعدوهم ما استطاعوا من القوة وجاهدوا في الله حق جهاده، أعطاهم الله العزة بعد الذلة، والقوة بعد الضعف، والاتحاد بعد الاختلاف، والغنى بعد الفقر، والأمن بعد الخوف، إلى غير ذلك من أنواع النعم، وكما أن النصوص من الكتاب والسنة، قد دلت على ما ذكرنا، فالواقع التاريخي شاهد بذلك، ومن تأمل أحوال هذه الأمة، في ماضيها وحاضرها، وما جرى عليها من أنواع التغير والاختلاف عرف ما ذكرنا واتضح له معنى الآيتين، وأوضح شاهد على ذلك ما جرى لصدر هذه الملة من العز، والتمكين والنصر على الأعداء بسبب قيامهم بأمر الله وتعاونهم على البر والتقوى وصدقهم في الأخذ بالأسباب النافعة وجهاد الأعداء، فلما غيروا غير عليهم، وفي واقعة بدر، وأُحد شاهد لما ذكرنا، فإن المسلمين لما صدقوا مع نبيهم صلى الله عليه وسلم في جهاد العدو، يوم بدر نصرهم الله مع قلتهم وكثرة عدوهم، وصارت الدائرة على الكافرين، ولما أخل الرماة، يوم أحد، بموقفهم وفشلوا وتنازعوا وعصوا نبيهم صلى الله عليه وسلم في أمره لهم بلزوم موقفهم جرى ما جرى من الهزيمة، وقتل سبعين من المسلمين، وجرح عدد كثير منهم، ولما استنكر المسلمون ذلك واستغربوه أنزل الله في ذلك قوله سبحانه: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فإذا كان خير الأمة وأفضلهم وفيهم سيد الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذا غيروا غير عليهم، فكيف بغيرهم من الناس، لا شك أن غيرهم من باب أولى أن يغير عليه إذا غير، وهم, في ذلك كله, لم يخرجوا عن قدر الله، سبحانه، وما كتبه عليهم لقوله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ