إن المسؤول الأول عما أصاب هؤلاء التعساء من كوارث، وما حلّ بهم من نكبات هو حيى بن أخطب؛ فهو الذي زين لهم الخيانة وأغراهم بالنكث وحملهم على الغدر، ولا يعفيه من المسؤولية أنه قتل معهم؛ فهو سبب هلاكهم ومعول خرابهم، كما أنه تسبب في إساءتهم الظن بمن بعده من اليهود.
هذا ما صرح به سلاّم بن مشكم أحد بنى النضير عندما بلغه خبر بنى قريظة، حيث قال: هذا كله عمل حيى بن اخطب، لا قامت يهودية بالحجاز أبدا.
وما تنبأ به كعب بن أسد حينما دق عليه حيى بن أخطب بابه يغريه بنقض العهد؛ فأجاب: ويحك يا حيى! إنك امرؤ مشئوم؛ جئتني والله بذل الدهر وبجهام لا غيث فيه.
ومهما يكن فقد قضت هذه الغزوة القضاء الأخير على قبائل اليهود في المدينة، وحرمت المنافقين من حليف كان يؤازرهم في الإساءة إلى المسلمين؛ فكسرت شوكتهم وخفت حدتهم وقل خطرهم، وقوي جانب المسلمين بما خلفه لهم بنو قريظة من أدوات القتال، واستغنوا بما امتلكوه بعدهم من أموال؛ فتمكنوا من توسيع أفق الدعوة الإسلامية، ونشطوا لنشر النور والهداية بين البرية.
غزوة خيبر
تقع خيبر في شمال المدينة على بعد مائة ميل منها، وهى واحة كبيرة خصبة، بها نخل كثير ومزارع واسعة وحصون عالية مقامة بين النخيل والحقول، على مرتفعات من الأرض تزيدها حصانة ومناعة؛ لذلك ظن اليهود أن الرسول صلى الله عليه وسلم لن يستطيع غزوها.
وقد اتخذها اليهود وكرا لهم بعد غزوة بنى قريظة؛ يدبرون منه المكائد ويحيكون المؤامرات ويوجهون الدسائس إلى قبائل العرب يحرضونهم على حرب المسلمين؛ يدفعهم إلى ذلك الحقد المتأصل في نفوسهم للنبي صلى الله عليه وسلم ودعوته، والغل في قلوبهم للإسلام والمسلمين، وغريزة الأخذ بالثأر لمن قتل من بنى قريظة.