للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣- وقال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِالله مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ َلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ الله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [١٢١] .

قلت: في هذه الآية دلالة واضحة على التحيل لدفع الأذى عن النفس ولو أدى ذلك إلى التلفظ بالكفر، فقد عذب عمار بن ياسر أشد تعذيب حتى أن المشركين ليضعون على صدره الحجر الكبير الذي يلتظى من شدة الحرارة في الرمضاء المحرقة فيجتمع عليه ثقل الحجر وحرارته من أعلى، وشدة حرارة البطحاء من تحته، كل ذلك منزوع الثياب، وبالغوا في تعذيبه ذات يوم حتى يذكر محمد بشر وآلهتهم بخير، فنطق بما أرادوا مكرها وقلبه مطمئن بالإيمان، ولما أطلقوه ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعاً، وشكا وشرح ما وقع فيه وما وقع له، فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: كيف تجد قلبك، قال: مطمئنا بالإيمان، فقال: "إن عادوا فعد "، وفي ذلك نزلت هاتان الآيتان [١٢٢] .

فالنطق بكلمة الكفر على الوجه المتقدم حيلة على دفع الأذى عن النفس، ظاهرها الكفر، وباطنها الإيمان وقصد دفع الضرر.

ولقد أفادتنا الشريعة الغراء من خلال نصوصها المتعددة أن عقود المكره وأقواله ملغاة مهدرة لا تترتب عليها آثارها الشرعية، ولا تنفذ هذه التصرفات لانعدام الرضا.