للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت الطرق محفوفة بالمخاطر من قطاع الطرق، فلا يذهب مسافر من جهة إلى أخرى إلا بعد الجهد والمشقة.

وكان من أشهر الأسباب التي ساهمت في زعزعة الأمن والاستقرار التنازع من أجل المراعي وموارد المياه والأخذ بالثأر.

وكانت رحلة الحج في سلسلة من المشقات، بل كانت نوعاً من المغامرة والمجازفة بعد أن انتشرت جرائم اللصوص، وعصابات قُطاع الطريق على الحاج بيت الله الحرام، وكان الناس يحذّرون المسافرين من أخطار الطريق، وكان من يريد الحج يودع أهله وداع مفارق لا عودة له بسبب سوء حالة الأمن واضطرابه، وكانوا يقولون: "الذَّاهب للحج مفقود، والعائد منه مولود" [٤١] .

حتى إنّه ليروى أن أحد قطاع الطرق قتل حاجا، وحين فتشه لم يجد معه سوى ريال واحد، فقالوا له: أتقتله من أجل ريال؟ فقال بلا خجل: الريال أحسن منه.

هكذا كانت الحال إذن، حياة الحاج لا تساوي ريالاً واحداً [٤٢] .

أما في غير مواسم الحج فقد كانت جرائم القتل بصفة خاصة منتشرة في العهد الماضي بسبب عادة الأخذ بالثأر، ولم يكن الموتور يتورع عن الأخذ بثأره والانتقام من غريمه في رابعة النهار، وعلى مسمع ومشهد من الناس، وهو لا يكتفي بذلك بل يتفاخر ويتباهى بالانتقام من خصمه. يروي العقيد الميمان: أن عمدة قباء بالمدينة المنورة ـ وهو عدل ثقة ـ أبلغه بأنه في العهد الماضي كانت مسألة الثأر شائعة في البوادي المقيمة بالمدينة والقرى المجاورة لها، وأنه في يوم من الأيام بينما كان شخص يتناول الشاي في أحد المقاهي في وسط المدينة في رابعة النهار أطلق عليه شخص آخر عياراً نارياً من بندقيته كان يحملها فقضى عليه. وعندما حاول الناس القبض عليه صاح فيهم قائلاً (سداد. سداد) يعني أخذه بثأره، فتركوه مراعاة للعرف والتقاليد السائدة، ولم تمض سوى أيام قلائل حتى أُخذ بثأر المجني عليه من القاتل نفسه في رابعة النهار وفي وسط المدينة [٤٣] .