للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن عدم إدراك العقل الإنساني القاصر حِكم بعض الأحكام لا يعني - قطعاً- أنها عِروٌ وخِلْو من الحكمة والمصلحة، لأن عدم العلم ليس علماً بالعدم، وإنما يعني قصور العقل الإنساني وعجزه، فرحم الله امرأ وقف عند حده ولم يتعد طوره، ولله در أبي العلاء المعري ما أصدق قوله:

وروم الفتى ما قد طوى الله علمه

يعد جنونا، أو شبيه جنون

ضرورة معرفة المصالح والمقاصد:

ومع هذا فإن معرفة المصالح والمقاصد والعلل للأحكام الشرعية ضرورة لا بد منها، لإظهار محاسن الشريعة وأسرارها و"لأن الجهل بمقصد الحكم الشرعي قد يدفع بعض الناس إلى إنكاره، لاعتقاده بأن الشارع لا يشرع شيئا إلا لمصلحة الخلق، أفرادا وجماعات، فإذا لم يتعلق بالحكم مصلحة معتبرة أو كان منافيا للمصلحة، اعتبر ذلك دليلا على أنه ليس بحكم شرعي، وإنما هو مما أدخله الناس في الشريعة بالاجتهاد والتأويل. وقد يستدل هنا بقول ابن القيم الذي نقلناه من قبل: "الشريعة عدل كلها، ورحمة كلها، ومصلحة كلها ... الخ".

ويجب أن يكون الفقيه له من اليقظة والبصيرة وعمق النظر والاطلاع الشامل ما يمكنه من استنباط العلة المناسبة والحكمة المقصودة من الحكم ولا شك أن هذا مرتقى صعب ولكن لا مفر منه للعلماء الربانيين الراسخين في العلم، لان التهرب منه يؤدي إلى غياب مقاصد الشريعة وحكمها، وإغلاق هذا الباب من أبواب الاجتهاد، وقد يربك الفقه الإسلامي ويضر بمسيرته الطبعية، ويفتح بابا للأعداء الحاقدين المتربصين بالأمة ليقولوا: إن الشريعة الإسلامية جامدة خامدة صارمة لا يتسع صدرها لمسايرة التطور البشري وتحقيق مصلحة الإنسان ودفع المضرة عنه.