للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذاً، فالحاجة ماسة إلى معرفة هذا النوع من الفقه، هذا الفقه الذي وصفه ابن القيم بأنه (الفقه الحي الذي يدخل على القلوب بغير استئذان) ففي فصل له بعنوان: (اعتبار النيات والمقاصد في الألفاظ) نقل عن وكيع "أن عمر قضى في امرأة قالت لزوجها: سمني، فسماها: الطيبة، فقالت: لا، فقال لها: ماذا تريدين أن أسميك؟ قالت: سمني خلية طالق، فقال لها: فأنت خلية طالق. فأتت عمر بن الخطاب فقالت: إن زوجي طلقني، فجاء زوجها فقص عليه القصة، فأوجع عمر رأسها، وقال لزوجها: خذ بيدها وأوجع رأسها"وهذا هو الفقه الحي الذي يدخل على القلوب بغير استئذان، ومعلوم أن الذي قال لما وجد راحلته: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" وأخطأ من شدة الفرح، لم يكفر بذلك وإن أتى بصريح الكفر لكونه لم يرده.

ولقد أتى على فقهنا حين من الدهر صار فيه أقرب إلى الجمود والخمود منه إلى الحياة والفعالية، ذلك أنه افتقد - فيما افتقده - روح المقاصد والمصالح وقد تعرض العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور لأسباب انحطاط الفقه وتخلفه فعدّ منها: "إهمال النظر في مقاصد الشريعة من أحكامها"ثم قال: "كان إهمال المقاصد سببا في جمود كبير للفقهاء ومعولا لنقض أحكام نافعة، وأشأم ما نشأ منه مسألة الحيل التي ولع بها الفقهاء بين مكثر ومقل" ومن هنا فإن البحث في المصالح والمقاصد عمل ضروري لتجديد الفقه وتقوية دوره ونشاطه وحيويته وصفائه.

المنكرون لتعليل الأحكام بالمصالح:

كان ما تقدم قول جماهير العلماء في أن أحكام الله تعالى معللة بالحِكم والمصالح وأدلتهم، وضرورة معرفة هذه المصالح.

وقد أنكر التعليلَ بعضُ أهل العلم منهم الرازي والأشاعرة والظاهرية.

قال ابن النجار الحنبلي: "وفِعْله تعالى وأمره، لا لعلة ولا لحكمة، في قول اختاره الكثيرون من أصحابنا ... واختاره الظاهرية والأشعرية والجهمية".

وقال الشاطبي عن الرازي: "وزعم الرازي أن أحكام الله ليست معللة بعلة ألبتة كما أن أفعاله كذلك".