للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الظاهرية فقد أنكروا التعليل جملة وتفصيلاً، وهم أوضح قولاً وأقوى خصومة ممن أنكروا التعليل ودافعوا عن التعبد المحض للشريعة، وقد خصص أبو محمد بن حزم باباً كاملاً في كتابه (الإحكام) لهدم فكرة التعليل، وقال: "الباب التاسع والثلاثون في إبطال القول بالعلل في جميع أحكام الدين"ونسب هذا الإنكار إلى جميع الظاهرية قبله حيث قال: "وقال أبو سليمان – يعني: داود الظاهري - وجميع أصحابه رضي الله عنهم: لا يفعل الله شيئا من الأحكام وغيرها لعلة أصلا بوجه من الوجوه ... وقال أبو محمد: وهذا هو ديننا الذي ندين الله تعالى به، وندعو عباد الله تعالى إليه، ونقطع على أنه الحق عند الله تعالى".

وقد بالغ ابن حزم في الإنكار على خصومه - مثبتي التعليل والمصالح - وبالغ في مهاجمتهم واستفزازهم، ولا أرى إلا أن كلامه هو الذي استفز ابن القيم كما يقول الدكتور الريسوني - حتى قال - وهو يتهيأ للرد المفصل على منكري القياس -: "الآن حمي الوطيس، وحميت أنوف أنصار الله ورسوله لنصر دينه وما بعث به رسوله، وآن لحزب الله أن لا تأخذهم في الله لومة لائم..".

إيضاح موقف الرازي من التعليل:

وقبل أن أذكر أدلة منكري التعليل بالمصلحة، أود أن أوضح موقف الرازي منه، فقد خصه الإمام الشاطبي بالذكر ونسبه وحده إلى إنكار التعليل وهو ما يحتاج إلى نظر وتحقيق، فالرازي من أهل القياس، ولا قياس بدون تعليل.

وموقف الرازي من التعليل يجب أن يؤخذ أساسا من كتبه، ولا سيما من كتابه (المحصول) حيث يقول عند كلامه على (مسلك المناسبة) :

"المناسبة تفيد ظن العلية، والظن واجب العمل به"ثم قال: "بيان الأول من وجهين:

الأول: أن الله تعالى شرع الأحكام لمصلحة العباد، وهذه مصلحة فيحصل ظن أن الله تعالى إنما شرعه لهذه المصلحة.