للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثانيها: أنه تعالى حكيم بإجماع المسلمين، والحكيم لا يفعل إلا لمصلحة فإن من يفعل لا لمصلحة يكون عابثا، والعبث على الله تعالى محال، للنص والإجماع والمعقول. فثبت أنه تعالى شرع الأحكام لمصلحة العباد.

وسادسها: أنه وصف نفسه بكونه رؤوفا رحيما، وقال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (١) فلو شرع ما لا يكون للعبد فيه مصلحة، لم يكن ذلك رأفة ورحمة فهذه الوجوه الستة دالة على أنه تعالى ما شرع الأحكام إلا لمصلحة العباد".

وقد واصل الرازي دفاعه عن التعليل بالمصلحة بكل قوة وحماس، وفند كل ما يعترض به عليه حتى قال: "انعقد الإجماع على أن الشرائع مصالح، إما وجوبا كما هو قول المعتزلة، أو تفضلا كما هو قولنا".

هذا هو موقف الرازي من التعليل بالمصلحة. فهل يجوز أن ينسب صاحب هذا الموقف إلى إنكار التعليل؟.

توجيه كلام الشاطبي عن الرازي:

وإذا كان هذا هو موقف الرازي من التعليل بالمصلحة من خلال ما كتبه فكيف يوجه كلام الشاطبي المتقدم - قريبا: "وزعم الرازي أن أحكام الله تعالى ليست معللة بعلة ألبتة"؟

الجواب: يمكن توجيهه بالآتي:

١ - الرازي يمنع التعليل بالمصلحة والمفسدة لعدم انضباطها، لكون أحكام الله غير معللة في حقيقتها بجلب المصالح ودرء المفاسد، فكلامه المتقدم قاطع في أنه يعتبر المصلحة أو المفسدة، ومن هنا يفضل الفقهاء والأصوليون تعليل الأحكام بالأوصاف الظاهرة المنضبطة بدل تعليلها - مباشرة - بالمصلحة والمفسدة ولا سيما إذا كانت خفية أو عسيرة الضبط.

٢ - أن التعليل الذي ينكره الرازي هو التعليل الفلسفي في مباحث علم الكلام والذي يثبته هو التعليل الأصولي الفقهي، وقد صرّح بهذا في (تفسيره) عند قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} (٢)

وسيأتي مزيد بيان لهذا عند الكلام على أدلة الأشاعرة قريبا.


(١) سورة الأعراف آية: ١٥٦.
(٢) سورة البقرة آية: ٢٩.