للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣ - هذا الإنكار منه - ومن الأشاعرة - كان فرارا من المقولات والإلزامات الاعتزالية، التي تجعل القول بالتعليل مقدمة للقول بوجوب الصلاح والأصلح على الله تعالى.

٤ - لعل سبب ذلك هو ما نقله الإمام ابن تيمية من تقلبات الرازي وتباين مواقفه من فترة لأخرى حيث قال: "أما ابن الخطيب - وهو الرازي - فكثير الاضطراب جدا، لا يستقر على حال، وإنما هو بحث وجدل بمنزلة الذي يطلب ولم يهتد إلى مطلوبه، بخلاف أبي حامد - الغزالي - فإنه كثيرا ما يستقر".

الأشاعرة والتعليل:

تقدم أن الأشاعرة ينكرون التعليل بالمصلحة، وأريد هنا أن أبين دليلهم على هذا الإنكار، يقولون: إن كل من فعل فعلا لعلة، يتحقق له من الكمال بوقوع تلك العلة ما لم يكن له من قبل، فيكون ناقصا بذاته كاملا بغيره. والله سبحانه منزه عن النقص لذاته.

وأترك (ابن السبكي) - وهو أحد المنكرين للتعليل - يوضح هذا الدليل حيث يقول: " ... لا يجوز أن تعلل أفعال الله تعالى، لأن من فعل فعلا لغرض، كان حصوله بالنسبة إليه أولى، سواء كان الغرض يعود إليه أم إلى الغير، وإذا كان كذلك، يكون ناقصا في نفسه مستكملا في غيره ويتعالى الله سبحانه عن ذلك".

هذا الكلام - أو المنطق - رده كثير من العلماء، وقال عنه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور بأنه "يشتمل على مقدمتين سفسطائيتين " ثم بينهما ورد عليهما.

ويرد عليه - جملة - بأنه غير مسلم، لأن المقاصد المطلوبة بأفعاله تعالى وأحكامه لا تُراد لتكميل ذاته، فإنه سبحانه مستغنٍ بذاته عن كل ماعداه وإنما تراد لتكميل المكلفين، ورعايته سبحانه لذلك مع استغنائه عن كل ما سواه ضرب من الكرم، ومظهر من مظاهر الحكمة البالغة والرحمة بالعباد والحقيقة أن موقف الأشاعرة هذا مشتمل على تناقض، إذ من المعروف أنهم جميعاً يقولون بمشروعية القياس في الأصول، ولا قياس بدون تعليل، بل اتفق جميع القائلين بالقياس أن أحكام الله تعالى شرعت لتحقيق مصالح العباد.