وقد حاول عدد من العلماء دفع هذا التناقض وتقريب شقة الخلاف بين المثبتين والمنكرين.
فقال الشيخ ابن عاشور:"والمسألة مختلف فيها بين المتكلمين اختلافاً يشبه أن يكون لفظياً، فإن جميع المسلمين اتفقوا على أن أفعال الله تعالى ناشئة عن إرادة واختيار وعلى وفق علمه، وأن جميعها مشتمل على حكم ومصالح ... وإنما الخلاف في أنها أتوصف بكونها أغراضاً وعللا غائية أم لا؟ "ثم نبه إلى أن المنكرين قد اضطروا إلى هذا الإنكار فرارا من المقولات والالتزامات الاعتزالية التي تجعل القول بالتعليل مقدمة للقول بوجوب الصلاح والأصلح على الله.
أما الدكتور البوطي فقد ذهب إلى توفيق آخر، فهو يرى أن التعليل المنفي هنا غير المثبت هناك. فالمنفي هنا هو "العلة التي يقصدها الفلاسفة وهي ما يوجب الشيء لذاته ... ولا ريب أنه لا يصح أن ينسب هذا التعليل إلى أفعال الله تعالى بأي حال"والمثبت هناك عند أهل السنة هي: "التي يثبتونها للأحكام في بحث الأصول، فهو العلة الجعلية التي تبدو لنا كذلك إذ جعلها الله تعالى موجبة لحكم معين بمعنى أنه أناط وجوب ذلك الحكم بوجودها"قال: "إذا فليس هناك تناقض بين كلا مذهبيهم في كل من المبحثين".
قلت: لكن هذا التوفيق يعكر عليه أن بعضهم - كالسبكيين مثلا - ينكرون أيضا تعليل الأحكام التشريعية، وبصورة مطلقة - كما تقدم - ولهذا لم يجد الدكتور (مصطفى شلبي) بدا من اتهام الأصوليين المتكلمين بمخالفة طريقة السلف، وهي التعليل بلا نزاع، وأنهم ناقضوا أنفسهم بإنكار التعليل في علم الكلام، وإثباته في علم أصول الفقه، لأن القياس يقوم عليه.