للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يبق من منكري التعليل إلا ابن حزم، وقد نقلنا موقفه من تعليل الأحكام سابقا، وأنه ينكر ربط الحكم بأي حكمة أو مصلحة، ويبالغ في الأخذ بظواهر النصوص والاستمساك بحرفيتها إلى حد ينتهي به إلى أفهام عجيبة، وآراء غريبة رغم عبقريته التي تشهد بها آثاره العلمية التي كان فيها نسيج وحده، وقد بسط ابن حزم أدلته على إنكار التعليل في كتابه (الإحكام) ولعل أهم دليل يقيم عليه ابن حزم مذهبه هو قول الله سبحانه وتعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (١) وأترك ابن حزم يوضح استدلاله بالآية يقول بعد ذكر هذه الآية: "فأخبر تعالى بالفرق بيننا وبينه، وأن أفعاله لا يجري فيها (لِمَ) وإذا لم يحل لنا أن نسأله عن شيء من أحكامه تعالى وأفعاله: لِمَ كان هذا؟، فقد بطلت الأسباب جملة وسقطت العلل البتة، إلا ما نص الله تعالى عليه أنه فعل أمر كذا لأجل كذا ... فلا يحل لأحد أن يقول: لم كان هذا السبب لهذا الحكم ولم يكن لغيره..لأن من فعل هذا السؤال فقد عصى الله عز وجل وألحد في الدين وخالف قوله تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} فمن سأل الله عما يفعل فهو فاسق..".

ويقول: "وهذه - يعني الآية - كافية في النهي عن التعليل جملة، فالمعلل بعد هذا عاص لله، وبالله نعوذ من الخذلان".


(١) سورة الأنبياء آية: ٢٣.