وقد رد أهل العلم قديما وحديثا احتجاج ابن حزم بهذه الآية وفندوه - منهم الدكتور الريسوني - وخلاصة ما قاله: معنى الآية: أن الله سبحانه لا يحاسبه أحد على أفعاله ولا يعترض على فعله وحكمه أحد {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِه}(١) بخلاف العباد، فإنهم يسألون ويحاسبون ويلامون ويخطّئون، وذلك أن الله تعالى - من جهة - هو خالق كل شيء، ومالك كل شيءله ما في السموات وما في الأرض، له الأولى والآخرة،.. ولأنه - من جهة أخرى - هو أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، وأصدق القائلين وهو العليم الخبير فعلى هذا الأساس - أو هذه الأسس - تأتى أفعاله وأحكامه، فلا مجال فيها للاستدراك أو الاعتراض.
لهذا وذاك فإن الرب سبحانه لا يُسأل سؤال محاسبة أو اعتراض ولا شك أن توجيه مثل هذا السؤال كفر.
أما السؤال عن علل الأحكام الشرعية وعن أسرار وحِكم أفعال الله تعالى فهو سؤال تفهم وتعلم، وهو على أصل الاستفهام - أي طلب الفهم - وهذا النوع من الأسئلة صدر عن الأنبياء والصالحين وورد ذكره وإقراره في القرآن الكريم.
فسِرّ المسألة، والفيصل فيها بين سؤال وسؤال، بين سؤال يُفسَّق صاحبه كما ذهب إلى ذلك ابن حزم وبين سؤال يرجو به صاحبه الأجر والتقرب إلى الله تعالى، والفرق هو أن السؤال الموجه إلى الله، أو إلى أي فعل من أفعاله أو قول من أقواله أو حكم من أحكامه إذا كان الغرض منه: الاعتراض أو الإنكار أو الاستهزاء أو المحاسبة فهو ضلال وكفر، أما إذا كان السؤال صادراً عن إيمان تام بالله وصفاته الكمالية وبعدله وحكمته على الخصوص، تحدوه الرغبة في الفهم والتعلم، ويدفعه التطلع والتشوق إلى مزيد من الاطلاع على حِكم الله في تشريعه وتدبيره، فهذا سؤال مشروع لا غبار عليه، بل هو محمود غير مذموم والسؤالات من هذا القبيل صدرت عن الرسل الأخيار المقتدى بهم.