للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أيضاً - رحمه الله – "ومن هذا الأصل - أي النظر في المآلات - تستمد قاعدة أخرى، وهي أن الأمور الضرورية أو غيرها من الحاجية أو التكميلية إذا اكتنفتها من الخارج أمور لا ترضي شرعاً، فإن الإقدام على جلب المصالح صحيح على شرط التحفظ بحسب الاستطاعة من غير حرج ... كطلب العلم إذا كان في طريقه مناكر يسمعها ويراها، وشهود الجنازة، وإقامة وظائف شرعية إذا لم يقدر على إقامتها إلا بمشاهدة مالا يرضى، فلا يُخرج هذا العارض تلك الأمور عن أصولها، لأنها أصول الدين، وقواعد المصالح، وهو المفهوم من مقاصد الشارع فيجب فهمها حق الفهم فإنها مثار اختلاف وتنازع وما ينقل عن السلف الصالح مما يخالف ذلك قضايا أعيان لا حجة في مجردها حتى يعقل معناها فتصير إلى موافقة ما تقرر إن شاء الله، والحاصل: أنه مبني على اعتبار مآلات الأعمال فاعتبارها لازم في كل حكم على الإطلاق. والله أعلم".

شروط المصلحة المعتبرة:

نخلص بعد هذا إلى أن المصلحة المعتبرة شرعا التي يجوز بناء الأحكام عليها هي: مقتضى العقول المستقيمة والفِطر السليمة، المحققة لمراد الشارع من العبودية والرشاد، ومراد العباد من صلاح المعاش والمعاد، ليست وليدة الشهوة أو الشبهة، يقول الشاطبي: "ولقد علم من التجارب والعادات أن المصالح الدينية والدنيوية لا تحصل مع الاسترسال في اتباع الهوى والمشي مع الأغراض، لما يلزم ذلك من التهارج والتقاتل والهلاك الذي هو مضاد تلك المصالح".

ولتكون المصلحة مقرونة بالرشاد، بعيدة عن الغي والفساد، محققة لمراد الشارع ومراد العباد، لها ضوابط، فإذا كانت منضبطة بها فهي معتبرة شرعاً وبالتالي يسوغ العمل بها وإلا فهي مجرد شهوة أو شبهة التبست على صاحبها فتوهمها مصلحة، وهيهات أن تكون - وهي بهذه الحال - مصلحة شرعية معتبرة، وإنما هي نزعة نفسانية أو نزغة شيطانية، لبست عليه الحق بالباطل فأرته المفسدة مصلحة.