للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا كانت حياة اليهود مع المسلمين سلسلة من الأحقاد والضغائن لا تنقطع، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشأ أن يجاري اليهود في عداوتهم، وكان يحاول مخلصا أن يصلح ما بينه وبينهم؛ فلما علم أن أسير بن رزام يعدّ لحرب المسلمين أرسل إليه يدعوه إلى السلم والموادعة، لعله يثوب إلى رشده ويرجع إلى صوابه فيجنب قومه ويلات الحرب وما تجره من الخراب والدمار، وكان الوفد الذي بعثه إليه مكونا من ثلاثين رجلا من الأنصار بزعامة عبد الله بن رواحة؛ فلما قدموا خيبر دخلوا عليه وقالوا له: هل نحن آمنون حتى نعرض عليك ما جئنا له؟.. قال: نعم! ولي منكم مثل ذلك، قالوا: نعم، ثم عرضوا عليه أن يترك ما عزم عليه من حرب، وأن يقدم إلى رسول الله ليحالفه ويوليه خيبر، ويعيش أهلها في سلام مع المسلمين؛ فاستجاب لذلك أول الأمر وخرج مع المسلمين في ثلاثين رجلا من اليهود متجها إلى المدينة، ولما قطع مرحلة من الطريق ندم على خروجه وهمّ بالغدر بمن معه من المسلمين، وأهوى إلى سيف عبد الله بن رواحة يريد أن ينتزعه منه ليقتله؛ ففطن لذلك عبد الله وقال له: أغدرا يا عدوّ الله؟ تم نزل فضربه بالسيف ضربة أطاحت فخذه بساقه فسقط عن بعيره، ولم يلبث أن هلك، ومال المسلمون على من كان معه من اليهود فقتلوهم.

وخلفه في زعامة خيبر سلام بن مشكم؛ فكان رأيه كرأي سلفه في معاداة المسلمين والتأهب لحربهم؛ وهكذا ظلت فكرة الغدر مبيتة عند اليهود.

فلما عقدت هدنة الحديبية بين رسول الله وبين قريش وأمن كل منهما جانب الآخر يئس اليهود من محالفة العرب ضدّ المسلمين، وأحسوا بالخطر يتهددهم؛ فبادروا إلى تأليف حلف منهم يجمع خيبر ووادي القرى وتيماء، وعزموا على مهاجمة المدينة.

بلغ رسول الله ما اعتزمه اليهود فقرّر أن يفاجئهم قبل أن يباغتوه.