للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يكن أهل خيبر يتوقعون وصول السلمين بهذه السرعة فباتوا ليلتهم آمنين مطمئنين، حتى إذا كان الصبح خرج العمال إلى الحقول كعادتهم ومعهم مساحيهم ومكاتلهم؛ فلم يرعهم إلاّ المسلمون وقد نزلوا بساحتهم؛ فارتدوا على أعقابهم يصيحون: محمد والخميس! محمد والخميس! ينذرون قومهم بالخطر الداهم والهلاك المحقق، ورأى رسول الله أن يزيد القوم فزعا ويملأ قلوبهم رعبا؛ فرفع صوته مكبرا: "الله أكبر خربت خيبر؛ إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين"، وردّد أصحابه التكبير؛ فدوى صوتهم في الفضاء وتردد صداه فملأ الجو رهبة ورعبا.

واستيقظ أهل خيبر على هذا الصوت فزعين؛ فأسقط في أيدهم ورأوا ألاّ مفر من القتال أو التسليم، وعزّ عليهم أن يسلموا بسهولة فآثروا الدفاع، ولما كانوا - كغيرهم من اليهود - جبناء بطبيعتهم اعتصموا بحصونهم، {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} .

ولما كان حبّ المال غالبا على اليهود، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم من هذه الناحية؛ فهددهم بإتلاف أموالهم وأمر أصحابه بقطع النخيل، وهاجم حصن ناعم الذي احتشد فيه المقاتلون تحت قيادة زعيمهم سلام بن مشكم.

وشدد المسلمون الهجوم على الحصن، واستمات اليهود في الدفاع عنه؛ كلما اقترب المسلمون منه ارتدوا إلى داخله ورموهم بالنبل من فوق أسواره، واستمر الحال على ذلك سبعة أيام، في كل يوم يعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء لواحد من أصحابه؛ فيظل طول يومه يقاتل ثم يرجع دون أن يتمكن من اقتحامه، حتى فتحه الله سبحانه وتعالى على يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.