بها بعد سنة أربعين وخمسمائة. ومن شعره يلغز في السطل:
ما ناشئ في البرد والحرّ ... متلون ذو أرجل صفر
ما إن تجفّ الدهر لبدته ... طورا يخب وتارة يجري
ويضجّ حينا بالصياح اذا ... ما طار من وكر الى وكر
بالشام يشرح صدره ولدى ال ... زوراء يصبح ضيّق الصدر
- عن هذا الفصل لامسك عنه ولكنه غمز الزاري عليه في وضع المقامات وجهّله وندّد عليه، فان ما اعتمده من أن وضع المقامات من مناهي الشرع مصيب من هذه الجهة وابن الحريري في الاحتجاج عليه بما ساقه من كلامه في هذا الفصل غالط أو مغالط، إذ كان ما أحتج به من الموضوعات على ألسن العجماوات والجمادات لا يشبه ما أخذ فيه من ذكر الحارث بن همام وأبي زيد السروجي لأنّ ما ذكر من ذلك في الكتاب الموسوم بكليلة ودمنة أو حكايات السندباد موضوعة وضع الأمثال لتفيد الحزم والتيقظ وتنبه على مواضع الزلل في الرأي لأخي الغفلة وتعطي التجربة لذي الغرّة ولذلك وضعت وضع الأمثال ... اما في كليلة ودمنة وما جرى مجراه فلا يجهل أنه لمجرد التجربة ولا يلتبس فيه صدق بكذب إذ كان خارجا عن المألوف ومباينا للمعروف ظاهرا لكل أحد أن الأسد لا يخاطب الثعلب على الحقيقة ولا البحر الشجرة ولا القرد السلحفاة ولا الحمام أنثاه فاذا أخبر به مخبر لم يلتبس بصدق فعلم المقصود به بديهة. والأخبار عن الحارث بن همام عن أبي زيد السروجي ممكن أن يكون مثله، ولم يكن ذاك فهو كذب لا محالة ملتبس مثله بالصدق، إذ غير مستحيل في العرف والعادة أن يوجد في الناس داهية يكنى أبا زيد ويكون من سروج ويكون من البلاغة والفصاحة والتصرف في أبواب الحيل في المعاش ما حكى عنه الحارث ابن همام وكذلك وجود الحارث واتفاق اجتماعه مع أبي زيد على ما وصف به الحريري» ... ووجد على نسخة من المقامات محفوظة في خزانة كتب الجامعة الإستانبولية ما نصه: قرأ علي هذه النسخة من المقامات التي أنشأتها العميد الأجل نجيب الدولة أبو زيد المطهر بن سلار بن أبي زيد - دام الله نعمته - قراءة رواية محقّقة ودراية محققة وكتب القاسم بن علي في أوائل محرم سنة أربع عشرة وخمسمائة).