قدّمنا في كلامنا على سيرته في مراغة، أنّه ذكر مرارا أنّه عاد الى بغداد سنة ٦٧٩ هـ، إلاّ أنّه لم يستصحب عياله؛ ولو فعل ذلك لأشار إليه، وما ذكر رهنه طائفة من كتبه على عشرين دينارا ليبعث بها أو يقسم منها إلى العيال بمراغة، ولم نقف على قول له نعرف به من بقي في الحياة من أهله وأقربائه الأدنين، وأقربائه الأبعدين، سوى ما ذكره في سيرة قوام الدين محمد بن عبد القاهر بن الفوطيّ النجّار، وقد مضت الإشارة إليه.
كانت عودة ابن الفوطي الى بغداد في أيّام السلطان (١) أباقا بن هولاكو، وفي ولاية علاء الدين عطا ملك الجويني على بغداد والعراق من قبل أباقا المذكور، وكانت بغداد قد عادت الى حالة ازدهار وطمأنينة، واطّردت فيها مجاري الحياة أحسن اطراد، وجرت امور مدارسها ومساجدها ومشاهدها وربطها وزواياها وأوقافها على أحسن حال، حتى لقد قيل: إنّها كانت إذ ذاك في حال حسنة هي خير من حالها على عهد الخليفة المعتصم قتيل المغول، وما كان أسوأها من حال! وقد ذكر ابن الفوطيّ أنّ علاء الدين الجويني هو الذي أعاده إلى بغداد. قال في موجز سيرته: «قدم بغداد حاكما عليها في أيّام الإيلخان الأعظم هولاكو بن جنكيز خان، وحاكما في جميع العراق سنة سبع وخمسين [وستمائة]، واستقامت به امور الخلائق، وأعاد رونق الخلافة ... وهو الذي أعادني إلى مدينة السلام، وفوّض إليّ كتابة التاريخ والحوادث، وكتب لي الاجازة بجميع مصنّفاته، وأملى عليّ شعره بقلعة تبريز سنة سبع وسبعين
(١) (المؤرّخون يسمّون الملك من هؤلاء تارة «السلطان» وتارة اخرى «القان» وهو الملك بلسان المغول).