باشر ابن الفوطي الخزن بخزانة كتب الرصد بمراغة؛ وطالع كثيرا من كتبها على اختلاف أنواعها وموضوعاتها، وجمع منها مجاميع، واقتبس، وصنّف، وألّف، واستخلص لنفسه منها، ونسخ لغيره توريقا، واتّصل بفئات من العلماء والادباء وأرباب الفنّ وأهل السياسة، على تباين أجيالهم واختلاف بلادهم ومللهم؛ فاتّسعت ثقافته العلمية، وثقافته الأدبية، وثقافته الاجتماعية. وخرج من الدائرة الضيّقة التي كان فيها ناشئا، وسلخ صباه عليها، وقضى عنفوان شبابه بها. ورأى في مراغة - وهي يومئذ عاصمة الدولة الايلخانية - ما لم يره في مدينة اخرى سوى بغداد، من مظاهر التمدّن، ومجامع العلماء، وزمر الواردين من طلاّب العلم، وروّاد الجاه، وخطّاب الولاية والإمارة والوزارة، وعبّاد الملك والمناصب، والمعتفين والمسترفدين والشاكرين والشاكين. فضلا عن رخاء العيش وهناءته والرفهنية والدّرز للذين لا يزاولون الحرب والسياسة بأنواعها.
وتزوّج ابن الفوطيّ بمراغة زوجا لمّا أقف على جيلها ولا على مذهبها. إلاّ أنّ الغالب على الظنّ أنّها كانت حنبليّة المذهب مثله؛ فولدت له - أو اخرى غيرها وهو الظاهر - من الذكور أبا المعالي محمّدا (١) وأبا سهل؛ ولم أقف على غير
(١) (عثرت على ترجمة له في ذيل تاريخ الذهبي تأليف تقي الدين بن قاضي شهبة الدمشقي في وفيات سنة «٧٥٠ هـ» قال: «مولده في ذي القعدة سنة خمس وثمانين وستمائة وسمع ... ولبس من الرشيد بن أبي القاسم الخرقة، ولبسها الرشيد من شهاب الدين السهروردي وخرّج له والده مشيخته والحافظ زين الدين بن رجب أحاديث ثمانيّات وروى عنه، وكتب الخطّ على ياقوت المستعصميّ وأضرّ في آخر عمره ولازم المسجد وكثر تهجّده وعبادته»، وذكر له أبياتا زهديّة ثلاثة، وقد روى عنه ابن رجب المذكور في ذيل طبقات الحنابلة. وكون مولده في سنة ٦٨٥ هـ يدلّ على أنّه ولد ببغداد).