للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبد ربَّه، وطمعَه في برِّه وإحسانه وفضله، وسؤالَه ذلك بقلبه ولسانه؟! (١) فإن الرجاء هو استشراف القلب لنيل ما يرجوه، فإذا كان العبد دائمًا مستشرفًا بقلبه، سائلًا بلسانه، طالبًا لفضل ربِّه، فأيُّ رعونةٍ هاهنا؟ وهل الرُّعونة كلُّ الرُّعونة إلا خلاف ذلك؟

ومن العجب دعواهم خروجَهم عن نفوسهم، وهم أعظم الناس عبادةً لنفوسهم! وليس الخارج عن نفسه إلَّا من جعلها حبسًا على مراد الله الدينيِّ الأمريِّ النبويِّ، وبذلها لله في إقامة دينه وتنفيذه بين أهل العناد والمعارضة والبغي، فانغمس فيهم يمزِّقون أديمه ويرمونه بالعظائم ويخيفونه بأنواع المخاوف ويتطلَّبون دمَه (٢) بجهدهم (٣)، لا يأخذه في جهادهم في الله لومةُ لائمٍ، يصدع بالحقِّ عند من يخافه ويرجوه، قد زهد في مدحهم وثنائهم وتعظيمهم وتشييخهم له وتقبيل يده وقضاء حوائجه، يصيح فيهم بالنصائح جهارًا، ويعلن لهم بها ويسرُّ لهم إسرارًا. وقد تجرَّد عن الأوضاع والقيود والرُّسوم، وتعلَّق بمراضي الحيِّ القيُّوم؛ مقامه ساعةً في جهاد أعداء الله، ورباطُه ليلةً على ثغر الإيمان= آثر عنده وأحبُّ إليه من فناءٍ ومشاهداتٍ وأحوالٍ هي أعظم عيش النفس وأعلى قوتها وأوفرُ حظِّها، ويزعم أنه قد خرج عن نفسه فكيف حظِّها! (٤) ولعلَّه قد خرج عن مراد ربِّه من عبوديَّته إلى


(١) كذا العبارة في الأصل، ينقصها المفعول الثاني لـ «يجعل». ولو كان السياق: «أيُّ رعونة في رجاء العبد ربَّه ... » لاستقام.
(٢) ع: «دينه»، تصحيف.
(٣) في ع زيادة: «وحدّهم وحديدهم».
(٤) انظر التعليق على مثله في الصفحة السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>