للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل

ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة الحزن، وليست من المنازل المطلوبة، ولا المأمور بنزولها وإن كان لا بدَّ للسالك من نزولها.

ولم يأت الحزنُ في القرآن إلَّا منهيًّا عنه أو منفيًّا، فالمنهيُّ (١) كقوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا} [آل عمران: ١٣٩]، وقولِه: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} في غير موضعٍ (٢)، وقولِه: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: ٤٠]، والمنفيُّ كقوله: {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: ٦٢].

وسرُّ ذلك أنّ الحزن مُوقِّفٌ غير مُسيِّرٍ، ولا مصلحة فيه للقلب، وأحبُّ شيءٍ إلى الشيطان أن يَحزُن العبدَ ليقطعه عن سيره ويَقِفه (٣) عن سلوكه، قال تعالى: {النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ} [المجادلة: ١٠]. ونهى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الثلاثة أن يتناجى اثنانِ منهم دون الثالث لأنَّ ذلك يحزنه (٤).

فالحزن ليس بمطلوبٍ ولا مقصود، ولا فيه فائدة. وقد استعاذ منه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: «اللهمّ إنِّي أعوذ بك من الهمِّ والحزن» (٥)، فهو قرين الهمِّ، والفرق


(١) في الأصل وغيره: «فالنهي»، ولعل المثبت من ع أشبه.
(٢) جاء ذلك في الحجر: ٨٨، والنحل: ١٢٧، والنمل: ٧٠.
(٣) ع: «يوقفه».
(٤) أخرجه مسلم (٢١٨٤) من حديث ابن مسعود. وأخرجه البخاري (٦٢٨٨) ومسلم (٢١٨٣) من حديث ابن عمر مختصرًا دون ذكر علة النهي.
(٥) كما في حديث أنس عند البخاري (٢٨٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>