للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبد إلى السبب والموجب لكان اشتغاله بدفعه أجدى إليه (١) وأنفع له من خصومة من جرى على يديه، فإنَّه وإن كان ظالمًا فهو الذي سلَّطه على نفسه بظلمه. قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: ١٦٥]، فأخبر أن أذى عدوِّهم لهم وغلبتَهم بسبب ظلمهم. وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٣٠].

فإذا اجتمعت بصيرة العبد على مشاهدة القدر والتوحيد والحكمة والعدل= انسدَّ عنه باب خصومة الخلق، إلَّا فيما كان حقًّا لله ورسوله. فالراضي لا يخاصم ولا يعاتب إلَّا فيما يتعلَّق بحقِّ الله. وهذه كانت حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّه لم يكن يخاصم أحدًا ولا يعاتبه إلَّا فيما يتعلَّق بحقِّ الله، كما أنَّه كان لا يغضب لنفسه، فإذا انتُهكت محارمُ الله لم يقم لغضبه شيءٌ حتَّى ينتقم لله (٢). فالمخاصمة لحظِّ النّفس تطفئ نور الرِّضا، وتُذهب بهجته، وتبدِّل بالمرارة حلاوتَه، وتكدِّر صفوه.

(الشرط الثالث: الخلاص من المسألة لهم والإلحاح).

وذلك لأنَّ المسألة والإلحاح فيها ضربٌ من الخصومة والمنازعة والمحاربة والرُّجوع عن مالك الضرِّ والنفع إلى من لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا إلّا بربِّه. وفيها الغَيبة عن المعطي المانع.


(١) ع: «عليه».
(٢) كما قالت عائشة: «وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله بها». أخرجه البخاري (٣٥٦٠) ومسلم (٢٣٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>