للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: ٢٨]. فيظهره ظهورين: ظهورًا بالحجّة والبيان والدّلالة، وظهورًا بالنّصر والغلبة والتّأييد؛ حتّى يَظهر على مخالفيه ويكون منصورًا.

وقوله: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: ١٦٦]. فما فيه من الخبر عن علم الله الذي لا يعلمه غيره من أعظم الشّهادة بأنّه هو الذي أنزله، كما قال في الآية الأخرى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: ١٣ - ١٤]. وليس المرادُ مجرَّدَ الإخبار بأنّه أنزله وهو معلومٌ له كما يعلم سائر الأشياء، فإنَّ كلَّ شيءٍ معلومٌ له من حقٍّ وباطلٍ. وإنّما المعنى: أنزله مشتملًا على علمه وفيه علمُه، فنزولُه مشتملًا على علمه هو آيةُ كونه من عنده وأنّه حقٌّ وصدقٌ. ونظير هذا قوله: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفرقان: ٦] ذكر ذلك سبحانه تكذيبًا وردًّا على من قال: {افْتَرَاهُ} [الفرقان: ٤].

فصل

ومن شهادته أيضًا: ما أودعه في قلوب عباده من التَّصديق الجازم، واليقين الثّابت، والطُّمأنينة بكلامه ووحيه؛ فإنّ العادة تُحيل حصولَ ذلك بما هو من أعظم الكذب والافتراء على ربِّ العالمين، والإخبار عنه بخلاف ما هو عليه من أسمائه وصفاته. بل ذلك يُوقع أعظمَ الرَّيب والشّكِّ، وتدفعه الفطَرُ والعقولُ السّليمة، كما تدفع الفطَرُ التي فُطِرَ عليها الحيوانُ الأغذيةَ الخبيثةَ الضَّارَّةَ التي لا تغذِّي كالأبوال والأنتان. فإنَّ الله سبحانه فطَر القلوبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>