للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعمال الباطنة، ويُرِيح الجسدَ والجوارح من كَدِّ العمل.

وهؤلاء أعظم كفرًا وإلحادًا، حيث عَطَّلوا العبوديّة، وظنُّوا أنّهم استغنوا عنها بما حصل لهم من الخيالات الباطلة، التي هي من أمانيِّ النّفس وخُدَع الشّيطان. وكأنّ قائلهم إنّما عنى نفسَه وذوي مذهبه بقوله (١):

رَضُوا بالأمانِيْ وابتُلُوا بحظوظِهم ... وخَاضُوا بحارَ الحبِّ دعوى فما ابْتَلُّوا

فهم في السُّرى لم يَبْرَحوا من مكانهم ... وما ظَعَنوا في السَّيْر عنه فقد (٢) كَلُّوا

وقد صرَّحَ أهل الاستقامة وأئمّة الطّريق بكفر هؤلاء وأخرجوهم من الإسلام، وقالوا: لو وصل العبد من القرب إلى أعلى مقامٍ يناله العبد لما سقط عنه من التّكليف مثقالُ ذرّةٍ، أي ما دام قادرًا عليه.

وهؤلاء يظنُّون أنّهم يستغنون بهذه الحقيقة عن ظاهر الشّريعة.

واجتمعت علماء الطّائفة على أنّ هذا كفرٌ وإلحادٌ، وصرّحوا بأنّ كلّ حقيقةٍ لا تتبعها شريعةٌ فهي كفرٌ.

وقال سريٌّ: من ادّعى باطنَ حقيقةٍ ينقضُها ظاهرُ حكمٍ فهو غالطٌ (٣).

وقال سيِّد الطّائفة الجنيد بن محمّدٍ: علمنا هذا متشبِّكٌ بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٤).


(١) البيتان لابن الفارض في «ديوانه» (٢/ ١٦٠).
(٢) ر، ت وفي (ص ٥٧٠): «وقد».
(٣) رواه أبو نعيم في «الحلية» (١٠/ ١٢١). وأورده ابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص ١٥١)، والمؤلف في «إغاثة اللهفان» (١/ ٢١٦).
(٤) رواه الخطيب في «تاريخ بغداد» (٧/ ٢٥١). وأورده الذهبي في «تاريخ الإسلام» (٦/ ٩٢٤)، وتقدم عند المؤلف (ص ١٢٧) بنحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>