للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني: أنّ كلّ متوجِّهٍ إلى الله بالصِّدق والإخلاص فإنّه من المهاجرين إليه، فلا ينبغي أن يتخلَّف عن هذه الهجرة، بل يصحبها سرمدًا حتّى يلحَقَ بالله.

فما هي إلّا ساعةٌ ثمّ تنقضي ... ويَحمَدُ غِبَّ السَّيرِ مَن هو سائرُ (١)

ولله على كلِّ قلبٍ هجرتان (٢)، وهما فرضٌ لازمٌ له على الأنفاس:

هجرةٌ إلى إلهه بالتّوحيد والإخلاص، والإنابة والحبِّ، والخوف والرّجاء، والعبوديّة.

وهجرةٌ إلى رسوله بالتّحكيم له، والتّسليم والتّفويض والانقياد لحكمه، وتلقِّي أحكام الظّاهر والباطن من مشكاته. فيكون تقيُّده (٣) به أعظمَ من تقيُّدِ الرَّكْب بالدّليل الماهر في ظُلَم اللّيل ومتاهاتِ الطّريق.

فما لم يكن لقلبه هاتان الهجرتان فلْيَحْثُ على رأسه الرّماد، ولْيراجعِ الإيمانَ من أصله، فيرجع وراءه يقتبس نورًا، قبلَ أن يُحال بينه وبينه ويُقال له ذلك على الصِّراط من وراء السُّور. والله المستعان.


(١) يبدو أن البيت للمؤلف، ويتصرف في الشطر الثاني حسب السياق والموضوع، فيأتي به على أوجه مختلفة، انظر: «بدائع الفوائد» (٢/ ٦٧٢)، و «الداء والدواء» (ص ٤٥٤)، و «روضة المحبين» (ص ٩)، و «زاد المعاد» (٣/ ٩١)، و «مدارج السالكين» (٣/ ٨، ٣٢٩).
(٢) كرَّر المؤلف هذا المعنى في مواضع من كتبه، انظر: «زاد المعاد» (٣/ ١٣ - ١٤)، و «الرسالة التبوكية» (ص ١٦ - ٢٧)، و «الكافية الشافية» (الأبيات ٢٢١ - ٢٣٣)، و «طريق الهجرتين» (١/ ٩).
(٣) ل: «تعبده»، و «تعبُّد» فيما يأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>