للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طلبها وانقسام مطلوبها وانقسام طريقها، بل توحّد مطلوبها بالإخلاص، وطلبها بالصِّدق، وطريقها بالسُّلوك خلف الدّليل الذي نصبَه الله دليلًا، لا من نصبَه هو دليلًا له.

ولله الهِمم! ما أعجبَ شأنَها، وأشدَّ تفاوتَها! فهمَّةٌ متعلِّقةٌ بمن فوقَ العرش، وهمّةٌ حائمةٌ حولَ الأنتان والحُشِّ. والعامَّة تقول: قيمة كلِّ امرئٍ ما يُحسِنه (١)، والخاصّةُ تقول: قيمة المرء ما يطلبه، وخاصّةُ الخاصّة تقول: قيمتُه همتُه إلى مطلوبه.

وإذا أردتَ أن تعرف مراتبَ الهمم فانظر إلى همَّة ربيعة بن كعبٍ الأسلميِّ وقد قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سَلْني»، فقال: أسألك مرافقتك في الجنّة (٢). وكان غيره يسأله ما يملأ بطنَه، أو يواريْ جلْدَه.

وانظر إلى همّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين عُرِضت عليه مفاتيح كنوز الأرض فأباها. ومعلومٌ أنّه لو أخذها لأنفقها في طاعة ربِّه، فأبَتْ له تلك الهمّة العالية أن يتعلّق منها بشيءٍ ممّا سوى الله ومَحابِّه. وعُرِض عليه أن يتصرّف بالملك فأباه، واختار التّصرُّف بالعبوديّة المحضة. فلا إله إلّا الله، خالق هذه الهمّة وخالق نفسٍ تَحمِلها، وخالق هِمَمٍ لا تعدو (٣) هممَ أخسِّ الحيوانات.

فصل

قال (٤): (الدرجة الثانية: صفاء حالٍ، يُشاهَد به شواهدُ التحقيق، وتُذاقُ


(١) تقدم عند المؤلف (ص ٣٦٠، ٤٩٥).
(٢) أخرجه مسلم (٤٨٩).
(٣) ش: «لا تعتد».
(٤) «المنازل» (ص ٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>