للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - يقول: وكذلك لطَمَ عينَ ملك الموت عليه السلام ففقأها، ولم يَعتب عليه ربُّه. وفي ليلة الإسراء عاتبَ ربّه في النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إذ رفع فوقه، ورفع صوته بذلك، ولم يَعتبه. قال: لأنّ موسى عليه الصلاة والسّلام قام تلك المقاماتِ العظيمةَ التي أوجبت له هذا الدَّلال، فإنّه قاومَ أكبرَ أعداء الله تعالى فرعون، وتصدّى له ولقومه، وعالج بني إسرائيل أشدَّ المعالجة، وجاهد في الله أعداء الله أشدَّ الجهاد، وكان شديد الغضب لربِّه، فاحتملَ له ما لا يحتمله لغيره (١). وذو النُّون لمّا لم يكن في هذا المقام سَجَنَه في بطن الحوت من غضبه، وقد جعل الله لكلِّ شيءٍ قدرًا.

فصل

قال (٢): (الدّرجة الثّالثة: اجتباء الحقِّ عبدَه، واستخلاصه إيّاه بخالصته. كما ابتدأ موسى وقد خرج يقتبس نارًا، فاصطنعه لنفسه وأبقى منه رسمًا مُعارًا).

الاجتباء: الاصطفاء والإيثار والتّخصيص، وهو افتعال من جَبيتُ الشّيء: إذا حُزتَه إليك، كجباية المال وغيره.

والاصطناع أيضًا: الاصطفاء والاختيار، يعني أنّه اصطفى موسى عليه السلام، واستخلصه لنفسه، وجعله له خالصًا من غير سببٍ كان من موسى ولا وسيلةٍ. فإنّه خرج ليقتبس النّار، فرجع وهو كليم الواحد القهّار، وأكرمُ الخلق عليه، ابتداءً منه سبحانه، من غير سابقةِ استحقاقٍ، ولا تقدُّمِ وسيلةٍ.


(١) «لغيره» ليست في ش، د.
(٢) «المنازل» (ص ٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>