للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما في الكون، وكذبوا وتناقضوا! فإنّما أحبُّوا ما تهواه نفوسُهم وإرادتُهم، فإذا جاء في الكون ما لا يلائم أحدَهم ويكرهه طبعُه أبغَضَه ونفَر منه وكرِهَه، مع كونه مرادًا للمحبوب، فأين الموافقة؟ وإنّما وافقوا أهواءهم وإراداتهم!

ثمّ بنَوا على ذلك أنّهم مأمورون بالرِّضا بالقضاء، وهذه قضاؤه، فنحن نرضى بها، فما لنا ولإنكارها ومعاداة فاعلها، ونحن مأمورون بالرِّضا بالقضاء؟ فتركَّب لاعتقادهم كونَها محبوبةً للرَّبِّ، وكونَهم مأمورين (١) بالرِّضا بها: التّسويةُ بين الأفعال، وعدمُ استقباح شيءٍ منها أو إنكارِه.

وانضاف إلى ذلك اعتقادُهم جبرَ العبد عليها، وأنّها ليست فعله، فلزم عن ذلك (٢) رفعُ الأمر والنّهي، وطيُّ بساط الشَّرع، والاستسلامُ للقدَر، والذَّهابُ معه حيث كان. وصارت لهم هذه العقائد مشاهدَ، وكلُّ أحدٍ إذا ارتاض وصفا باطنُه تجلّى له فيه صورةُ معتقده، فهو يشاهدها (٣) بقلبه، فيظنُّها حقًّا! فهذا حال هذه الطّائفة.

وقالت القدريَّةُ النُّفاةُ: ليست المعاصي محبوبةً لله ولا مرضيّةً، فليست مقدّرةً له ولا مقضِيّةً، فهي خارجةٌ عن مشيئته وخلقه.

قالوا: ونحن مأمورون بالرِّضا بالقضاء، ومأمورون بسخط هذه الأفعال وبغضها وكراهتها، فليست إذن بقضاء الله، إذ الرِّضا والقضاء متلازمان، كما


(١) في جميع النسخ: "مأمورون" كأنَّ ناسخ أصلها انتقل بصره إلى لفظ "مأمورون" السابق!
(٢) ع: "من ذلك".
(٣) ما عدا ع: "يشاهده" يعني: معتقده.

<<  <  ج: ص:  >  >>