للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

واختلفوا فيما إذا تاب القاتل وسلَّم نفسه فقُتِل قصاصًا، هل يبقى عليه للمقتول يوم القيامة حقٌّ؟

فقالت طائفةٌ: لا يبقى عليه شيءٌ لأنَّ القصاص حدُّه، والحدود كفَّارةٌ لأهلها، وقد استوفى ورثة المقتول حقَّ موروثهم، وهم قائمون مقامه في ذلك، فكأنَّه قد استوفاه بنفسه، إذ لا فرق بين استيفاء الرجل حقَّه بنفسه أو بنائبه ووكيله.

يوضِّح هذا أنَّه أحد الجنايتين (١)، فإذا استُوفيت منه لم يبق عليه شيء، كما لو جنى على طرفه فاستقاد منه فإنَّه لا يبقى له عليه شيء.

وقالت طائفةٌ: المقتول قد ظُلِم وفاتت عليه نفسه ولم يستدرك ظُلامته، والوارث إنَّما أدرك ثأر نفسه وشفى غيظَ نفسه (٢)، وأيُّ منفعةٍ حصلت للمقتول بذلك؟ وأيُّ ظُلامةٍ استوفاها من القاتل؟

قالوا: فالحقوق في القتل ثلاثة: حقٌّ لله، وحقٌّ للمقتول، وحقٌّ للوارث، فحقُّ الله لا يزول إلَّا بالتَّوبة، وحقُّ الوارث قد استوفاه بالقتل، وهو مخيَّر بين ثلاثة أشياء: بين القصاص، والعفو مجَّانًا، أو إلى مالٍ؛ فلو أحلَّه أو أخذ منه مالًا لم يسقط حقُّ المقتول بذلك، فكذلك إذا اقتَصَّ منه، لأنَّه أحد الطُّرق الثلاثة في استيفاء حقِّه، فكيف يسقط حقُّ المقتول بواحدٍ منها دون الآخَرَين؟

قالوا: ولو قال القتيل: لا تقتلوه لأطالبه بحقِّي يوم القيامة، فقتلوه، أكان


(١) ج: "الجانبين"، تصحيف.
(٢) ع: "وشفى غيظه".

<<  <  ج: ص:  >  >>