للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل

ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة التفويض.

قال صاحب «المنازل» (١): (وهو ألطف إشارةً وأوسع معنًى من التوكُّل، فإنَّ التوكُّل بعد وقوع السبب، والتفويض قبل وقوعه وبعده. وهو عين الاستسلام، والتوكُّل شعبةٌ منه).

يعني أنَّ المفوِّض يتبرَّأ من الحول والقوَّة، ويفوِّض الأمر إلى صاحبه، من غير أن يقيمه مقام نفسه في مصالحه، بخلاف التوكُّل (٢)، فإنَّ الوكالة تقتضي أن يقوم الوكيل مقام الموكِّل. فالتفويض: براءةٌ وخروجٌ من الحول والقوَّة، وتسليمُ الأمر كلِّه إلى مالكه (٣).

فيقال: وكذلك التوكُّل أيضًا، وما قدحتم به في التوكُّل يَرِد عليكم نظيرُه في التفويض سواء، فإنَّك كيف تفوِّض شيئًا لا تملكه البتَّة إلى مالكه؟ وهل يصحُّ أن يفوِّض واحدٌ من آحاد الرعيَّة المُلكَ إلى مَلِك زمانه؟

فالعلَّة إذن في التفويض أعظم منها في التوكُّل. بل لو قال القائل: التوكُّل فوق التفويض وأجلُّ منه وأرفع، لكان مصيبًا. ولهذا، القرآنُ مملوء به أمرًا وإخبارًا عن خاصَّة الله وأوليائه وصفوته (٤) المؤمنين بأنَّه حالهم (٥).


(١) (ص ٣٤).
(٢) ش: «المتوكل».
(٣) ملخَّص من كلام التلمساني في «شرحه» (ص ٢٠٣).
(٤) ع: «صفوة».
(٥) ع: «بأن حالهم التوكل».

<<  <  ج: ص:  >  >>