للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشأن هذا النّهر عن الزِّراعات والعمارة وغِراس (١) الأشجار.

فجاءت فرقةٌ ثالثةٌ خالفتْ رأي الفرقتين (٢)، وعلموا أنّهم قد ضاعتْ عليهم كثيرٌ من مصالحهم، فأخذوا في صرف ذلك النّهر عن مجراه المنتهي إلى خراب العمران، وصرفوه إلى موضعٍ ينتفعون بوصوله إليه ولا يتضرَّرون، فصَرَفوه إلى أرضٍ قابلةٍ للنّبات، وسَقَوها به، فأنبتتْ لهم أنواعَ العُشْب والكَلَأ والثِّمارِ المختلفة الأصناف، فكانت هذه الفرقة هم (٣) أصوب الفرق في شأن هذا النّهر.

فإذا تبيّن هذا المثل، فالله سبحانه قد اقتضت حكمته: أن ركَّب الإنسان ــ بل سائر الحيوان ــ على طبيعةٍ محمولةٍ على قوّتين: غضبيّةٍ، وشهوانيّةٍ وهي الإراديّة. وهاتان القوّتان هما الحاملتان لأخلاق النّفس وصفاتها، وهما مركوزتان في جبلّة كلِّ حيوانٍ. فبقوّة الشّهوة والإرادة: يَجذِب المنافعَ إلى نفسه، وبقوّةِ الغضب: يدفع المضارَّ عنها. فإذا استعمل الشّهوة في طلب ما يحتاج إليه تولَّدَ منها الحرص، وإذا استعمل الغضب في دفع المضرّة عن نفسه تولَّدَ منه القوّة والعزَّة. فإذا أعجزَه ذلك المضادُّ (٤) أورثه قوّة الحقد، وإن أعجزه وصولُ ما يحتاج إليه ورأى غيره مستبدًّا به أورثه الحسد. وإن ظَفِرَ به أورثتْه شهوتُه وإرادته خُلقَ البخل والشُّحِّ، وإن (٥) اشتدّ حرصه


(١) ل: «وغرس».
(٢) ل: «الفريقين».
(٣) ل: «هي».
(٤) ل: «الصاد».
(٥) «إن» ليست في ش، د.

<<  <  ج: ص:  >  >>