للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيامه بحدود الله، وتبدَّل دعاؤه عليهم دعاءً لهم، وجعل لهم وظيفةً من عمره يسأل الله فيها أن يغفر لهم. فما أنفعَه له من مشهدٍ، وما أعظَمَ جدواه عليه!

فصل

فيورثه ذلك: المشهدَ الحادي عشر، وهو مشهد العجز والضّعف، وأنّه أعجز شيءٍ عن حفظ نفسه وأضعف، وأنّه لا قوّة له ولا قدرة ولا حول (١) إلّا بربِّه، فيشهد قلبَه كريشةٍ ملقاةٍ بأرضِ فلاةٍ تُسيِّرها الرِّياح يمينًا وشمالًا، ويشهد نفسه كراكب سفينةٍ في البحر تهيج بها الرِّياح وتتلاعب بها الأمواج، ترفعها تارةً وتخفضها أخرى (٢).

تجري عليه أحكام القدر وهو كالآلة طريحًا بين يدي وليِّه، ملقًى ببابه، واضعًا خدّه على ثرى أعتابه، لا يملك لنفسه ضَرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، ليس له من نفسه إلَّا الجهل والظُّلم وآثارهما ومقتضياتهما، فالهلاك أدنى إليه من شراك نعله، كشاةٍ ملقاةٍ بين الذِّئاب والسِّباع لا يردُّهم عنها إلّا الرّاعي، فلو تخلّى عنها طرفة عينٍ لتقاسموها أعضاءً، هكذا حال العبد ملقًى بين الله وبين أعدائه من شياطين الإنس والجنِّ، فإن حماه منهم وكفَّهم عنه لم يجدوا إليه سبيلًا، وإن تخلَّى عنه ووَكَله إلى نفسه طرفة عينٍ لم ينقسم عليهم، بل هو نصيب من ظفر به منهم.

وفي هذا المشهد يعرف نفسه حقًّا، ويعرف ربَّه، وهذا أحد التأويلات


(١) زيد بعده في م، ش: «ولا قوة»، وهو تكرار.
(٢) ع: «تارةً أخرى».

<<  <  ج: ص:  >  >>