للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ الموحِّدَ قد رفض الأسباب، ووقف مع المسبِّب وحده؛ والمتوكِّلُ وإن رفَض الأسبابَ فإنّه واقفٌ مع توكُّله، فصار توكُّله بدلًا من تلك الأسباب التي رفضها، فهو متعلِّقٌ بما رفضه.

وتجريدُ التّوكُّل عندهم وحقيقته (١) هو: تخليص القلب من علّة التّوكُّل، وهو أن يعلم أنّ الله سبحانه فرغ من الأشياء وقدَّرها، وهو سبحانه يسوق المقادير إلى المواقيت. فالمتوكِّلُ حقيقةً ــ عندهم ــ هو من أراح نفسه من كدِّ النّظر ومطالعة السَّبب سكونًا إلى ما سبَق له من القَسْم، مع استواء الحالتين عنده، وهو أن يعلَم أنَّ الطلبَ لا ينفع، والتّوكُّلَ لا يجمع (٢). ومتى طالع بتوكُّله عوضًا كان توكُّله مدخولًا، وقصدُه معلولًا. فإذا خلَص من رقِّ هذه الأسباب ومطالعة العوض، ولم يلاحظ في توكُّله سوى خالص حقِّ الرَّبِّ سبحانه، كفاه الله تعالى كلَّ مهمٍّ، كما أوحى إلى موسى: كُنْ لي كما أريد، أكُنْ لك كما تريد (٣).

وهذا الكلام وأمثاله بعضه صوابٌ، وبعضه خطأٌ، وبعضه محتملٌ.


(١) ت: «عندهم حقيقته».
(٢) في «طريق الهجرتين» (٢/ ٥٥٦): «أن الطلب لا يجمع وأن التوكل لا يمنع»، وكذا في النسخة التي اعتمد عليها محقق «محاسن المجالس» (ص ٧٩) في متن الكتاب. وفي الأخرى كما ورد هنا.
(٣) أورد ابن العريف حكاية عن موسى عليه السلام لخَّصها المؤلف في «طريق الهجرتين» بأنه «في رعايته نام عن غنمه، فاستيقظ، فوجد الذئب واضعًا عصاه على عاتقه يرعاها، فعجب من ذلك، فأوحى الله إليه ... » وانظر الحكاية في «نزهة المجالس» للصفوري (١/ ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>