للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

وأمّا غلطُ مَن غلِط من أرباب السُّلوك والإرادة في هذا الباب، فحيث ظنُّوا أنَّ شهودَ الحقيقة الكونيَّة والفناءَ في توحيد الرُّبوبيّة من مقامات العارفين، بل أجلُّ مقاماتهم. فساروا شائمين لبرق هذا الشُّهود، سالكين لأودية الفناء فيه. وحثَّهم على هذا السَّير ورغَّبهم فيه ما شهدوه من حال أرباب الفَرْق الطَّبعيِّ (١)، فأنِفُوا من صحبتهم في الطَّريق، ورأوا مفارقتَهم فرضًا معيَّنًا لا بدَّ لهم منه. فلمَّا عرَضَ لهم الفرقُ الشَّرعيُّ في طريقهم ورد عليهم منه أعظمُ واردٍ فرَّقَ جمعيَّتَهم، وقسَّمَ وحدةَ عزيمتهم، وحال بينهم وبين عين الجمع الذي هو نهايةُ منازل سيرهم، فافترقت طرقهُم في هذا الوارد (٢) العظيم:

فمنهم من اقتحمه ولم يلتفت إليه، وقال: الاشتغالُ بالأوراد عن عين المورد (٣) انقطاعٌ عن الغاية. والقصدُ من الأوراد: الجمعيّةُ على الآمر، فما الاشتغالُ (٤) عن المقصود بالوسيلة بعد الوصول إليه، والرُّجوعُ من حضرته إلى منازل السّفر إليه؟ وربّما أنشد بعضهم:

يطالَبُ بالأوراد مَن كان غافلًا ... فكيف بقلبٍ كلُّ أوقاته وِرْدُ (٥)


(١) ع: "الطبيعي".
(٢) ش: "الوادي"، تحريف.
(٣) م، ش: "الورد".
(٤) ل، م، ش: "للاشتغال".
(٥) تقدَّم في (ص ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>