للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا (ترك الرسم إلى الحقيقة)، فيشير به إلى الفناء، فإنَّ من جملة تسليم صاحب الفناء تسليمَ ذاته ليفنى في شهود الحقيقة، فإنَّ ذات العبد هي رسمٌ (١) تُفنيه الحقيقة، كما يُفني النُّور الظُّلمة. لأنَّ عند أصحاب الفناء أنَّ الحقَّ سبحانه لا يراه سواه ولا يشاهده غيره، لا بمعنى الاتِّحاد، ولكن بمعنى أنَّه لا يشاهده العبد حتَّى يفنى عن إنِّيَّته (٢) ورسمه وجميع عوالمه، فيفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل. هذا كالإجماع (٣) من الطائفة، بل هو إجماع منهم. (٤) (الدرجة الثالثة: تسليم ما دون الحقِّ إلى الحقِّ، مع السلامة من رؤية التسليم، بمعاينة تسليم الحقِّ إيَّاك إليه).

هذه الدرجة تكملة الدّرجة التي قبلها، فإنَّ التسليم في التي قبلها بدايةٌ لها، وهي واسطةٌ بين الدرجة الأولى والثالثة، فالأولى بداية، والثانية توسطٌ، والثالثة نهاية.

قوله: (تسليم ما دون الحقِّ إلى الحقِّ)، يريد به اضمحلال رسوم الخلق في شهود الحقيقة، وكلُّ ما دون الحقِّ رسومٌ، فإذا سلَّم رسمه الخاصَّ (٥) إلى ربِّه حصل له حقيقة الفناء. وهذا التسليم نوعان:


(١) زاد في ع: «والرسم».
(٢) أي: ذاته ووجوده.
(٣) ع: «كإجماع».
(٤) ش: «قال». أي صاحب «المنازل» (ص ٣٧).
(٥) في النسخ عدا ش، ع: «الحاضر»، ولعله تصحيف، وسيأتي المثبت بعد سطرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>