للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السّبب الثّاني: جُثُوم الغفلة على القلب، فإنّ الغفلة نوم القلب، ولهذا تجد كثيرًا من الأيقاظ في الحسِّ نيامًا، فتحسبهم أيقاظًا وهم رقودٌ، ضدّ حال من يكون يقظانَ القلب وهو نائمٌ، فإنّ القلب إذا قويتْ فيه الحياة لا ينام إذا نام البدن، وكمال هذه الحياة (١) كان لنبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -، ولمن أحيا الله قلبه بمحبّته واتِّباع رسوله من ذلك بحسب نصيبه منهما.

فالغفلة واليقظة يكونان في الحسِّ والعقل والقلب، فمستيقظ القلب وغافله كمستيقظ البدن ونائمه (٢)، وكما أنّ يقظة الحسِّ على نوعين، فكذلك يقظة القلب على نوعين.

فالنّوع الأوّل من يقظة الحسِّ: أنّ صاحبها يَنفُذ في الأمور الحسِّيّة ويتوغَّلُ فيها بكَيْسِه وفطانته، واحتيالِه وحسنِ تأتِّيه.

والنّوع الثّاني: أن يُقبِل على نفسه وقلبه وذاته، فيعتني بتحصيل كماله، فيلحظ عواليَ الأمور وسفسافَها، فيُؤْثِر الأعلى على الأدنى، وخيرَ الخيرين بتفويت أدناهما، ويرتكب أخفَّ الشّرّين خشيةً من حصول أقواهما، ويتحلّى بمكارم الأخلاق ومعالي الشِّيَم، فيكون ظاهره جميلًا، وباطنه أجملَ من ظاهره، وسريرتُه خيرًا من علانيته، فيزاحم أصحاب المعالي عليها كما يُزاحم أهل الدِّينار والدِّرهم عليهما، فبهذه اليقظة يستعدُّ للنّوعين الآخرين منها:

أحدهما: يقظةٌ تبعثه على اقتباس الحياة الدّائمة الباقية التي لا خطَرَ لها من هذه الحياة الفانية الزّائلة، التي لا قيمة لها.


(١) ش: «الحالة».
(٢) في هامش ش: «وغافله».

<<  <  ج: ص:  >  >>