للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتظار زوال حجابه. والمراد: أنّه حصل له مشهدٌ تامٌّ، لا يبقى له بعده ما ينتظره.

وهذا عندي وهمٌ بيِّنٌ، فإنّه لا غايةَ لجمال المحبوب وكمال صفاته، بحيث يصل المُشاهِد لها إلى حالةٍ لا ينتظر معها شيئًا آخر.

وسنبيِّن ــ إن شاء الله ــ أنّه لا يصحُّ لأحدٍ في الدُّنيا مقامُ المشاهدة أبدًا، وأنّ هذا من أوهام القوم وتُرَّهاتِهم، وإنّما غاية ما يصل إليه العبد الشّواهدُ. ولا سبيلَ لأحدٍ قطُّ في الدُّنيا إلى مشاهدة الحقِّ, وإنّما وصوله إلى شواهد الحقِّ. ومن زعم غيرَ هذا فلغلبة الوهم عليه، وحُسنِ ظنِّه بتُرَّهات القوم وخيالاتهم.

ولله دَرُّ الشِّبليِّ حيث سئل عن المشاهدة، فقال: من أين لنا مشاهدةُ الحقِّ؟ لنا شاهد الحقِّ (١). هذا، وهو صاحب الشَّطحات المعروفة، وهذا من أحسن كلامه وأَمتنِه.

وأراد بشاهد الحقِّ ما يَغلِب على القلوب الصّادقة العارفة: من ذِكْره ومحبّته وإجلاله وتعظيمه ووقاره، بحيث يكون ذلك حاضرًا فيها، مشهودًا بها (٢)، غير غائبٍ عنها. ومن أشار إلى غير ذلك فمغرورٌ مخدوعٌ، وغايته أن يكون في خَفارةِ صدقه، وضَعفِ تمييزه وعلمه.

ولا ريبَ أنّ القلوب تشاهد أنوارًا بحسب استعدادها، تَقوى تارةً، وتَضعُف أخرى. ولكنّ تلك أنوار الأعمال والإيمان والمعارف، وصفاء


(١) «الرسالة القشيرية» (ص ٢٨٨).
(٢) ت: «لها».

<<  <  ج: ص:  >  >>