للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له في الإسلام البتَّة. وهو الذي كان الجنيد - رضي الله عنه - يوصي (١) أصحابه فيقول: «عليكم بالفرق الثاني» (٢). وإنَّما سمِّي ثانيًا لأنَّ الفرق الأوَّل فرقٌ بالطبع والنفس، وهذا فرقٌ بالأمر.

والجمع أيضًا جمعان: جمعٌ في فرقٍ وهو جمع أهل الاستقامة والتوحيد، وجمعٌ بلا فرقٍ وهو جمع أهل الزندقة والإلحاد.

فالناس ثلاثة:

- صاحب فرقٍ بلا جمعٍ، فهو مذموم ناقص مخذول.

- وصاحب جمعٍ بلا فرقٍ، فهو (٣) ملحد زنديق.

- صاحب فرقٍ وجمعٍ، يشهد الفرق في الجمع والكثرةَ في الوحدة، فهو المستقيم الموحِّد الفارق. وهذا صاحب الحقيقة الثالثة، الجامعةِ للحقيقتين الدينيَّة والكونيَّة، فشهود هذه الحقيقة الجامعة هو عين الاستقامة.

وأمَّا شهود الحقيقة الكونيَّة أو الأزليَّة والفناء فيها، فأمرٌ مشترَك بين المؤمنين والكفار، فإنَّ الكافر مُقِرٌّ بقدر الله وقضائه وأزليَّته وأبديَّته، فإذا استغرق في هذا الشُّهود وفني به عن سواه فقد شهد الحقيقة.

وأمّا قوله: (لا كسبًا)، أي يتحقَّق عند مشاهدة الحقيقة أنَّ شهودها لم يكن بالكسب، لأنَّ الكسب من أعمال النفس، والحقيقة لا تبدو مع بقاء النفس، إذ الحقيقة فردانيَّة أحديَّة نورانيَّة، فلا بدَّ من زوال ظلمة النفس ورؤية


(١) في ع زيادة: «به».
(٢) انظر ما تقدَّم (١/ ٣٨٧).
(٣) ع: «وهو جمع أهل الزندقة والإلحاد، فصاحبه».

<<  <  ج: ص:  >  >>