للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشير إلى الشُّهود الذي يغلِب عقلَه، والحبِّ الذي يغلب صبرَه، والحال الذي يغلب علمَه.

قال (١): (وهو على ثلاث درجاتٍ. الأولى: دهشةُ المريد عند صَوْلة الحالِ على علمه، والوجدِ على طاقته، والكشفِ على همّته).

يعني: أنّ علمه يقتضي شيئًا، وحاله يصول عليه بخلافه. فهذا غايته أن يكون معذورًا إن لم يكن مفرطًا، فإنّ الحال لا يصول على العلم إلّا وأحدهما فاسدٌ، إمّا الصّائل أو المَصُول عليه. فإذا اقتضى العلمُ سكونًا، فصالَ عليه الحال بحركته، فهي حركةٌ فاسدةٌ. غايةُ صاحبها أن يكون معذورًا لا مشكورًا. وإذا اقتضى العلمُ حركةً، فصال الحال عليه بسكونه، فهو سكونٌ فاسدٌ.

مثال الأوّل: اقتضاء العلم للسُّكون والخشوع عند وارد السَّماع القرآنيِّ، وصولة الحال عليه حتّى يَزْعَق أو يَشْهَقَ أو يَخرِقَ (٢) ثيابه أو يُلقِي نفسَه، لورود ما يُدْهِشه من معاني المسموع على قلبه، فيصُول حالُه على علمه، حتّى لو كان في صلاة تعرَّضَ لإبطالها وقطْعِها.

ومثال الثّاني: اقتضاء العلم لحركةٍ مفرّقةٍ في رضا المحبوب، فيصولُ الحال عليها بسكونه وجمعيّته حتّى يَقْهرها. وهذه من مقاطع القوم وآفاتهم، وما نجا منها إلّا أهلُ البصائر منهم، العاملون على تجريد العبوديّة. وكثرةُ صُوَرِ هذا مُغِنيةٌ عن كثرة الأمثلة، فإنّ أكثرهم يُقدِّم حالَ الجمعيّة على


(١) «المنازل» (ص ٧٧).
(٢) ت: «أو يشق ثيابه».

<<  <  ج: ص:  >  >>