بتوبة عبده الذي هو أشدُّ فرحٍ يعلمه العباد هو من محبّته للتّوبة وللتّائب.
فلو بطلت مسألة «المحبّة» لبطلتْ جميع مقامات الإيمان والإحسان، ولتعطَّلتْ منازلُ السّير، فإنّها روح كلِّ مقامٍ ومنزلةٍ وعملٍ، فإذا خلا منها فهو ميِّتٌ لا روحَ فيه. ونسبتها إلى الأعمال كنسبة الإخلاص إليها، بل هي حقيقة الإخلاص، بل هي نفس الإسلام، فإنّه الاستسلام بالذُّلِّ والحبِّ والطّاعة لله، فمن لا محبّةَ له لا إسلامَ له البتّةَ. بل هي حقيقة شهادة أن لا إله إلّا الله، فإنّ الإله هو الذي تَألَهُه العباد حبًّا وذلًّا، وخوفًا ورجاءً، وتعظيمًا وطاعةً، «إله» بمعنى مألوهٍ، وهو الذي تألهه القلوب، أي تُحبُّه وتَذِلُّ له. وأصل التّألُّه التّعبُّد، والتّعبد آخر مراتب الحبِّ. يقال: عبَّدَه الحبُّ وتَيَّمَه: إذا ملكه وذَلَّلَه لمحبوبه.
«فالمحبّة» حقيقة العبوديّة. وهل يمكن الإنابة بدون المحبّة والرِّضا، والحمد والشُّكر، أو الخوف والرّجاء؟ وهل الصّبر في الحقيقة إلّا صبر المحبِّين؟ فإنّهم إنّما يتوكَّلون على المحبوب في حصول مَحابِّه ومَراضيه.
وكذلك «الزُّهد» في الحقيقة هو زهد المحبِّين، فإنّهم يَزهَدون في محبّة ما سواه لمحبّته.
وكذلك «الحياء» في الحقيقة إنّما هو حياء المحبِّين، فإنّه يتولَّد من بين الحبِّ والتّعظيم. وأمّا ما لا يكون عن محبّةٍ فذاك خوفٌ محضٌ.
وكذلك مقام «الفقر» فإنّه في الحقيقة فقر الأرواح إلى محبوبها، وهو أعلى أنواع الفقر. فإنّه لا فقرَ أتمُّ من فقر القلب إلى من يحبُّه، لا سيّما إذا وحَّده (١) في