ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة الشُّكر. وهي من أعلى المنازل. وهي فوق منزلة الرِّضا، فإنه يتضمَّن الرضا وزيادة، فالرضا مندرجٌ في الشكر، إذ يستحيل وجود الشكر بدونه.
وهو نصف الإيمان كما تقدَّم، والإيمان نصفان: نصفٌ شكر، ونصفٌ صبر.
وقد أمر الله به ونهى عن ضدِّه، وأثنى على أهله، ووصف به خواصَّ خلقه. وجعله غاية خلقه وأمره، ووعد أهله بأحسن جزائه، وجعله سببًا للمزيد من فضله، وحارسًا وحافظًا لنعمته.
وأخبر أنَّ أهله هم المنتفعون بآياته، واشتقَّ لهم اسمًا من أسمائه، فإنَّه سبحانه هو الشَّكور، وهو موصل للشاكر إلى مشكوره (١)، بل يعيد الشاكر مشكورًا. وهو غاية رضا الربِّ من عبده، وأهلُه هم القليل من عباده.
وقال عن خليله إبراهيم عليه السلام: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ} [النحل: ١٢٠ - ١٢١]. وقال عن نوحٍ عليه السّلام:{إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}[الإسراء: ٣].