للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصدَرَ (١) هذا الإهلاكُ عن عزّته، وذلك الإنجاءُ عن رحمته. ثمّ قرَّرَ في آخر السُّورة نبوّةَ رسوله بالأدلّة العقليّة أحسنَ تقريرٍ، وأجاب عن شبه المكذِّبين له أحسنَ جوابٍ. وكذلك تقريرُه للمعاد بالأدلَّة العقليّة والحسِّيّة، وضربُ الأمثال والأقيسة. فدلالة القرآن سمعيّةٌ عقليّةٌ.

فصل

المسألة الثّانية: قوله: (ويوجد بتبصير الحقِّ).

وجوبُ الشَّيء شرعًا لا يستلزم وجودَه حسًّا. فلذلك ذكَر ما يوجد به بعد ذكرِ ما يجب به، وهو تبصيرُ الحقِّ تعالى. ومراده: التَّبصيرُ التّامُّ الذي لا تتخلَّف عنه الهداية، وإلّا فقد يبصرُ الحقَّ العبدُ (٢) ولا يوجد منه الهدى، كما قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: ١٧]، فهو سبحانه بصَّرهم، فآثروا الضّلالَ على الهدى. وقال تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} [العنكبوت: ٣٨]. وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: ١١٥]. وقال تعالى عن قوم فرعون: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: ١٤]. فهذا التَّبصيرُ لم يوجب وجودَ الهداية لأنّه سبحانه لم يُرِد وجودَها، وإن أراد وجود مجرَّد البصيرة. فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.

وأمّا التّبصير التّامُّ، فإنّه يستلزم وجودَ الهداية، وهو الذي أُمِرنا أن نسأله


(١) ش، د: «مصدر»، تصحيف.
(٢) هكذا في النسخ من غير علامة التقديم والتأخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>