للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل

ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: منزلة الذِّكر. وهي منزلة القوم الكبرى، التي منها يتزوَّدون، وفيها يتَّجرون، وإليها دائمًا يتردَّدون.

والذِّكر منشور الولاية الذي من أُعطِيه اتّصل، ومن مُنِعه عزل، وهو قوت قلوب القوم الذي متى فارقها (١) صارت الأجساد لها قبورًا، وعمارةُ ديارهم فمتى تعطَّلت عنه (٢) صارت بُورًا، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قُطَّاعَ الطّريق، وماؤهم الذي يُطفِئون به التهابَ الحريق ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكستْ منهم القلوب، والسّبب الواصل والعِلاقة التي بينهم وبين علّام الغيوب.

إذا مرِضنا تداوينا بذكرِكُم ... فنترك الذِّكرَ أحيانًا فننتكسُ (٣)

به يستدفعون الآفاتِ، ويستكشفون الكُرُبات، وتهون عليهم به المصيبات، إذا أظلَّهم البلاءُ فإليه ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النّوازلُ فإليه مفزَعُهم. فهو رياضُ جنّتهم التي فيها يتقلّبون، ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتّجرون. يَدَعُ القلبَ الحزين ضاحكًا مسرورًا، ويُوصِل الذّاكر إلى المذكور، بل يعيد الذّاكر مذكورًا.


(١) ل: «فارقتها».
(٢) ش: «عنها».
(٣) لم أقف عليه في المصادر التي بين يديّ. وقد أنشده المؤلف في «الكافية الشافية» (١/ ١٠) و «الوابل الصيب» (ص ١٧٢). ولعله له.

<<  <  ج: ص:  >  >>