للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعطائه ومنعه وتأثيره إلى الله. وهذه إشارة إلى الفناء، ومراده: الصُّعود عن شهود ما سوى الله إلى الله. والكمال في ذلك: الصُّعود عن إرادة ما سواه إلى إرادته.

والاتِّحاديُّ (١) يفسِّره بالصُّعود عن وجود ما سواه إلى وجوده، بحيث لا يرى لغيره وجودًا البتَّة، ويرى وجود كلِّ موجودٍ هو وجوده، فلا وجود لغيره إلَّا في الوهم الكاذب عنده.

قال (٢): (وهو على ثلاث درجاتٍ: اعتصام العامَّة بالخبر استسلامًا وإذعانًا، بتصديق الوعد والوعيد، وتعظيم الأمر والنهي، وتأسيس المعاملة على اليقين والإنصاف).

يعني أنَّ العامّة اعتصموا بالخبر الوارد عن الله، استسلامًا من غير منازعةٍ، بل إيمانًا واستسلامًا، وانقادوا إلى تعظيم الأمر والنهي والإذعان لهما، والتصديق بالوعد والوعيد، وأسَّسوا معاملتهم على اليقين، لا على الشكِّ والتردُّد وسلوك طريق الاحتياط، كما قال القائل (٣):

زعم المنجِّم والطّبيبُ كلاهما ... لا تُبعث الأجسادُ قلت إليكما

إن صحّ قولكما فلستُ بخاسرٍ ... أو صحَّ قولي فالخسارُ عليكما

فهذه طريقة أهل الرَّيب والشكِّ، يقومون بالأمر والنهي احتياطًا، وهذه


(١) تعريض بالتلمساني وكلامه في «شرحه» (ص ٩٤).
(٢) «منازل السائرين» (ص ١٦).
(٣) هو أبو العلاء المعرِّي في «اللزوميات» (٢/ ٣٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>