للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى كلِّ جارحةٍ من الجوارح عبوديّةٌ موقَّتةٌ، والذِّكر عبوديّة القلب واللِّسان وهي غير موقَّتةٍ، بل هم مأمورون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كلِّ حالٍ: قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم (١). وكما أنّ الجنّة قِيعانٌ وهو غِراسُها (٢)، فكذلك القلوب بُورٌ خَرابٌ وهو عمارتها وأساسها.

وهو جلاء القلوب وصِقالها ودواؤها إذا غشِيَها اعتلالُها، وكلّما ازداد الذّاكر في ذكره استغراقًا ازداد لمذكورِه محبّةً وإلى لقائه اشتياقًا، وإذا واطأ في ذكره قلبُه للسانه نسي في جنْبِ ذكره كلَّ شيءٍ، وحفظ الله عليه كلّ شيءٍ (٣)، وكان له عوضًا من كلِّ شيءٍ.

به يزول الوَقْر عن الأسماع، والبَكَمُ عن الألسن، وتنقشع الظُّلمة عن الأبصار. زيَّن الله به ألسنةَ الذّاكرين كما زيَّن بالنُّور أبصار النّاظرين، فاللِّسان الغافل كالعين العمياء والأُذن الصَّمّاء واليد الشَّلّاء.

وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده ما لم يُغلِقه العبد بغفلته.

قال الحسن البصريُّ - رضي الله عنه -: تفقَّدوا الحلاوةَ في ثلاثة أشياء: في الصّلاة والذِّكر وقراءة القرآن، فإن وجدتم وإلّا فاعلموا أنّ الباب مغلقٌ (٤).


(١) كما في سورة النساء: ١٠٣: {قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا}.
(٢) أشار إلى حديث ابن مسعود الذي أخرجه الترمذي (٣٤٦٢) وفيه: «أن الجنّة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر». وحسَّنه الترمذي. وفي إسناده عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف. وله شواهد يحسَّن بها.
(٣) «وحفظ الله عليه كلَّ شيء» ساقطة من ش، د.
(٤) «الرسالة القشيرية» (ص ٥٠٣). ورواه أبو نعيم في «الحلية» (٦/ ١٧١، ١٠/ ١٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>